لم تقتصر الدراسات النظرية والتطبيقية على المفكرين والباحثين في الغرب وحسب بل امتدت لتشمل رجال الدولة وصناع القرار أذ كان لهم دوراً ملموسا في هذا الجانب لكن التنظير للتنمية السياسية ارتبط أساساً بالسوسيولوجية الأنجلوسكسونية حيث تم انشاء مراكز الأبحاث في العلوم الاجتماعية بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1923م التي قامت بدورها بعملية البحث وجمع المعلومات وإقامة الدراسات الخاصة بالأوضاع السياسية ونظم الحكم والإدارة في الدول غير الغربية المختلفة في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا
وبعدما كانت التنمية السياسية عبارة عن مفهوم علمي ومبحث دراسي في علم الاجتماع والسياسة تحولت إلى حقل معرفي مستقل عنهما وقد لعبت (لجنة السياسة المقارنة بمجلس بحوث العلوم الاجتماعية) بالولايات المتحدة الأمريكية دوراً ملموساً في هذا المجال فقدمت في هذا الصدد سلسلة متتابعة من المؤلفات والكتابات العلمية الرائدة في مقدمتها: كتاب غابرييل ألموند و جيمس كولمان عن السياسة في المناطق النامية عام 1960م ويعد من أوائل الكتب التي تطرقت لدراسة وتشخيص التخلف والتطور السياسي في دول العالم الثالث ثم كتاب ليونارد بيندر عن إيران التنمية السياسية في مجتمع متغير وكتاب لوسيان باي عن بورما السياسة والشخصية وبناء الأمة عام 1962م إلى جانب مؤلفات ودراسات أخرى توالت تباعاً وقد شكلت الجانب الأكبر من تراث البحث في قضية التنمية السياسية
إن تناول ودراسة مفهوم التنمية السياسية يطرح أسئلة ليس لها إجابة محددة وذلك لعدم وجود إجماع عام حول مدلولها فعلى الرغم من استخدامه بشكل واسع إلا أنه ما زال تعبيراً غامضاً وضبابياً ويحمل عدة معانٍ في آنٍ واحد لهذا قد تشعبت واختلفت اسهامات هؤلاء الباحثين في تعريف مفهوم التنمية السياسية بحسب رؤية كل منهم وسيتم حصر عدد منها فيما يلي:
لقد أشار مفهوم التنمية السياسية إلى إقامة الأبنية التي تسمح بالمشاركة الشعبية في العملية السياسية وخلق جهاز إداري قادر على التنفيذ الفاعل للسياسات الإنمائية وتلبية مطالب المواطنين وبناء الديمقراطية بما تتضمنه من انشاء المؤسسات السياسية وخلق ثقافة سياسية تؤكد على الولاء القومي وتفتح الآفاق إلى التعددية الحزبية
ويرى بعض الباحثين أن مفهوم التنمية السياسية يشير إلى عملية التغير العضوي في طبيعة النظم لتتوافق فكرة التغير ونمو النسق السياسي مع خصائص حركة التصنيع الحديثة ويتجسد ذلك أكثر في المجتمعات العلمانية كما يستعمل المفهوم للإشارة إلى العمليات المطردة لتحويل وتعديل الأنساق السياسية من حقبة تاريخية إلى أخرى فالنظم والقيم السياسية تخضع للتغيير وتظهر في درجات متباينة من المرونة وتستوعب أي تغيرات مفاجئة
وقد اعتبر لوسيان باي من الأوائل الذين حللوا مفهوم التنمية السياسية بعمق ورأى أن الخطوة الأولى نحو التنمية السياسية هي تطهير النظام على مستوى الدولة وقدم باي عام 1953م ما اعتبره مفتاح عناصر التنمية السياسية وأن علامات التنمية السياسية يمكن اقتفاء آثارها على ثلاث مستويات بالنسبة للسكان ككل وبالنسبة للأداء الحكومي، أداء النظام نفسه
وفي ضوء ما ذكر يكمن القول بأنه يؤخذ على مختلف التعريفات السابقة ملاحظة عامة هي أنها تتشارك في محاولة إسقاط التجربة الغربية كقالب أو أنموذجً يصلح للتطبيق على البلدان الأخرى وعلى بلدان العالم الثالث بصفة خاصة وذلك بغية تحقيق تنميتها السياسية المرجوه بغض النظر عن خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية