ربما من مصطلحات العالم الصناعي بعد الثورة الصناعية هي كلمة صناعة، مِنْ صنع الشيء وانتاجه، ولربما لهذه الكلمة أبعاداً أكثر من الصناعات المادية المتعارف عليها، فهناك في عالم اليوم صناعات غير مادية كصناعة الكرة والبغضاء والتعصب ويقابلها صناعة المحبة وقبول الآخر والسلام. كذلك هناك صناعة الثقافة والفكر والمعرفة، فكل شيء يحتاج إلى بذل الجهد لصناعته، والأخطر أن نوجَّه قدراتنا وأفكارنا وتوجهاتنا لصناعة ما يؤذي البشرية ويسيء لها ويضر بها. فكما أنّ هناك صناعات نووية لأغراض سليمة كالطب النووي وتحلية المياة وإنتاج الكهرباء هناك صناعات نووية لأغراض حربية ولأنتاج أسلحة دمار شامل تهدد كامل الحياة البشرية.
وكثيرون يؤمنون بأنَّ الشخصية الإنسانية يجب تصنيعها أو إنتاجها وفق معايير فكرية تربوية ثقافية سليمة تسهم في صنع مجتمعات راقية ومتقدمة وملتزمة بقوانين وأنظمة المجتمع الذي تحيا به. وما أؤمن به أن كل شيء يمكن أن يصنع إلا الكاريزما لإنها تولد مع الإنسان، ولا يمكن صنعها لأنّ هبة من هبات الخالق، وإنما يمكن صقلها وإبرازها وتطورها.
وعبر التاريخ برزت شخصيات كارزمية في كل مجالات الحياة المتعددة غيَّرت مجرى التاريخ وقادته نحو آفاق جديدة لم يكن بمقدور آخرون أن يقوموا بها. ونتذكر عندما أتى المجوس يبحثون عن طفل الميلاد من المشرق وفق إرشاد نجم الميلاد لهم، أتوا قائلين " أين هو المولود ملكا ...". فالإنسان إنما يولد وتولد معه شخصية كارزمية خاصة يجب استثمارها واستقطابها ووضعها في مكانها الذي تستحقه. وهذا أضعف ما يقال عنه "الشخص المناسب في المكان المناسب". فالعلم والمعرفة والثقافة قد تَصغُر أمام من لا كاريزما له، ولكنها تتجلى بأسمى صورها عند الشخص المولود بهذه الكاريزما وهذه الصفات الموهوبة له من الله.
وعالمنا يحتاج اليوم أن نبحث عن أمثال هؤلاء أصحاب الكاريزما لتتجه البشرية نحو حياة نوعية وليس حياة رتيبة تفتقد للروح والتقدم والإنجاز.