أعترف لكِ يا حفيدة حابس كبير العسكر وقاهر اليهود ، وأنت تطأين سجّاد القصر الملكي في بلجيكا ، وتلبسين ثوبك الكركي ، أعترف أنّك أثرت في رأسي كل حكايا الأردنيين ... كُنّا دائما نشعر أن السفراء ليسوا منّا نحن الأردنيين، وربما آخر من يشبهننا التقيّ الورع نوح القضاة الذي قبل بسفارة طهران رضوخا لرغبة الملك الحسين وهو لا يردّها ...
نعم كل السفراء ليسوا منّا نحن أبناء الحراثين والفلاحين والرعيان .. الصاعدين نحو ذرى عمان نحمل أحلامنا ، وأحلامنا يومها بسيطة لا تتعدى مقعد جامعة ووظيفة حكومية.. فلم نجد إلا الجيش يفتح لنا قلبه دافئا ، منّا من بقي حارسا على حدوده ومنّا من إرتقى شهيدا ...
لكن حضوركِ اليوم يا حفيدة حابس كان بحضور الكرك بكل أنفة وشموخ قلعتها التي إستعصت على جيوش تركيا : يا سامي باشا ما نطيع ...
مدرقتك أو ثوبك الكركي هو حكاية وقصيدة لآخر ما تبقّى للأردنيين .. فحابس هو رصيدنا من الفروسية والرجولة لو عرفوه وقرأوا سيرته في بروكسل لأقاموا له تماثيل على النوافير وعلى جدران الكنائس .. هل قلتِ لملك بلجيكا أنا حفيدة حابس وهذا دمي من دمه ، وأن جدي له سيرة من رصاص وبارود، قاتل اليهود في اللطرون وباب الواد ولم يصافحهم في الحرب ولا في زمن السلام ، وأن مجرد ذكر اسمه يزرع الرعب في قلوب أعداءه ، قولي لهم عن تاريخ الكتيبة الرابعة في القدس ، وترجمي له قصيدة حبيب الزيودي :
"إلك كانت يا عذب الطول طلّات علامك غبت والدنيا تشارين
وإلك كانت يابو الشومات شومات عليها زغردت مريوشة العين "...
أشفق عليكِ وعلى لغتك كيف ستجدين ترجمة "لمريوشة العين "...
كوني وفيّة لإرث حابس ، فقد أسند الوطن عندما خذلوه الساسة ، وتجّار الولاءات ، وبقيَ شامخا مثل السنديان تميل الريح ولا يميل .. وظلّ بشماغه المهدب عنوانا للكبرياء والنزاهة ونظافة اليد ، فاليد التي عانقت السلاح يوما لا تخون الوطن ..
نام حابس تحت تراب الكرك ولكن بقيت سيرته تزهر كل نيسان وردا ومسكا وحكاية لا ننساها بأن الرجال الكبار تصنع المناصب ولا تصنع المناصب ضعاف الرجال .