لقاء جلالة الملك برئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب الدائم ورؤساء اللجان في المجلس التاسع عشر ثم تصريحات رئيس مجلس النواب عن بدء حوار بالقوانين التي طلب جلالته إعادة صياغتها تؤكد على أننا بأقل تقدير لن ننتخب في المرة القادمة بقانون الإنتخاب الذي إنتخبنا على أساسه مجلسي النواب الثامن والتاسع عشر.
هذا اللقاء يأتي ضمن اللقاءات الدائمة التي يحرص جلالته على إستمرارها للتشاور مع السلطة التشريعية في أمور تهم السياسة الأردنية وهدفها حض المجلس على الإستمرار بتطوير دوره الرقابي والتشريعي وتأكيد دعم جلالته للمجلس بالإستمرار بهذا الدور.
غير أن ما يميز اللقاء هو تطرق جلالته لقوانين الإصلاح السياسي، وبالتحديد قوانين الإنتخاب والأحزاب والإدارة المحلية والطلب من المجلس المضي بتطوير هذه القوانين حسب ما يلائم الحاجة الأردنية، التطرق لهذه القوانين بهذه اللحظة يثبت بما لا يدعو لأي مجال من الشك أن القانون الحالي للإنتخاب لم يعد له أي داعم أو داعي للوجود وعن التطابق في الموقف من هذا القانون من جميع الأطراف المعنية، الإصلاح السياسي وخاصةً قانون الإنتخاب والأحزاب لم يعد حكراً على أحد بل هو مطلب الجميع وهذا أمر سليم ويحدث في كل الدول الديمقراطية في العالم وهو تطوير القوانين من خلال التجارب التي تحدث على أرض الواقع وتحسينها بما يحاكي الواقع والتجربة.
الإنتخابات الآخيرة كانت العلامة الفارقة لكثير من الأردنيين وللمراقبين للشأن المحلي بضرورة التخلي عن القانون الحالي والتفكير بقانون يحاكي الواقع الأردني ويتلائم معه وليكون له الدور الأكبر في مشروع الإصلاح السياسي وليكون هو الأساس لجميع الإصلاحات، على قانون الإنتخاب بنظري تعتمد الإصلاحات الشاملة الأخرى، حسن إختيارنا لنواب الأمة والذين سيقومون بالمناقشات المتعلقة بالصحة والإقتصاد والتعليم لن يتم بالطريقة الصحيحة إن لم يتم ذلك من خلال إنتخاب مجلس يضمن العمل الجماعي والقيام بفرز من يمثلنا للقيام بهذه الإصلاحات المطلوبة، يجب أن نصل لدرجة نستطيع من خلالها إنتخاب من سيستطيع حل مشاكلنا العالقة.
اليوم الأردن يواجه صعوبات جمة وأعتقد أن الوقت الحالي يجب أن نستغله بعمل الإصلاحات التشريعية اللازمة، نتكلم كثيراً هذه الأيام عن الفساد الإداري ونواجه مشاكل إقتصادية إجتماعية وأهمها البطالة وغلاء المعيشة، الجمود الذي نعيشه بالفترة الحالية من الممكن هو الدافع لتقديم خارطة طريق لتصحيح التشريعات الموجودة للمساعدة بتقديم الحلول وهنا يظهر الدور المحوري لمجلس النواب.
طبعاً هذا التوافق ألقى بظله على الحكومة والتي أخذت على عاتقها البدء بحوار وطني مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات للوصول إلى قانون يمكن تقديمه لمجلس النواب والذي بدوره يستطيع متابعة الحوار مع نفس الأطراف ومراقبة إن كان قد تم الأخذ برأيهم في القانون المقدم للمجلس نفسه، القانون وحتى نكون صريحين مع أنفسنا يجب أن يكون قانون جديد وليس قانون معدل على القانون السابق.
أصبح ثابت للجميع أن قانون الإنتخاب الحالي كرس العمل الفردي سواء داخل القوائم أم داخل البرلمان نفسه وبالتالي أضعف مؤسستنا البرلمانية لأبعد الحدود بحيث لم يعد مجلس النواب ممثلاً للشعب الأردني بأكثر من 15-20%، لأن من نختارهم هم فرادى وبالتالي لن يشكلون أبداً أغلبية نيابية، كذلك سهولة إختراق والتشكيك بنتائج الإنتخابات وسطوة المال السياسي في هذه الإنتخابات.
لا أحد ينكر كذلك أن القانون الحالي أضعف دور المرأة والشباب في المشاركة السياسية وكل مرة كان العزوف عن المشاركة أقوى مما سبق، وطننا في بداية مئويته الثانية يستحق منا هذا الإجتهاد والعمل في هذا الإتجاه والأردنيون بعد معاناتهم الدائمة يستحقون أيضاً هذا التحديث للنهوض بالوطن كي نكون بمستوى الدول الحضارية والديمقراطية.