رعى رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس الأعيان العين الدكتور وجيه عويس، انطلاق أعمال المؤتمر العلمي الدولي المحكم السادس بعنوان "التوجه الحديث للتعليم العالي في الوطن العربي الواقع وآفاق المستقبل"، بدعوة من اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب التابع للجامعة العربية، باستضافة جامعة اليرموك الأعمال المؤتمر.
وقال العين عويس مندوبًا عن رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، بحضور مساعد رئيس مجلس الأعيان العين مفلح الرحيمي، عضو مجلس حكماء اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب، عند الحديث عن "التوجه الحديث للتعليم العالي في الوطن العربي الواقع وآفاق المستقبل"، إننا ندرك التطور التكنولوجي الهائل، الذي يشهده العالم.
وأشار في افتتاحية المؤتمر، التي عُقدت بدار مجلس الأعيان، اليوم الثلاثاء، إلى أن العالم مر بأربع ثورات صناعية اعتمدت جلها على نوعية التعليم الاساسي والجامعي وأسهمت جميعها بتقدم مزدهر للشعوب.
وبين أن أخر الثورات تميزت بمجموعة من التكنولوجيات والتقنيات الحديثة، التي اصبحت تشكل احدى أهم القوى الدافعة في المجتمعات العالمية معرفيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، موضحًا أن من أهم تلك التكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، الذي بلغ حجم الانفاق العالمي عليه 77 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن يصل إلى تريليون دولار في عام 2030.
وأضاف العين عويس أنه مع انتشار تلك التكنولوجيا نتج نوعية جديدة من الوظائف تختلف بشكل كبير عن وظائف اليوم مما سيؤدي إلى خفض نسبة القوى العاملة في المهن البسيطة وزيادة الاعتماد على الوظائف المعتمدة على التكنولوجيا والإبداع الفكري، موضحًا أن الفكر المبدع لا يولد إلا من خلال بيئة مناسبة توفر كوادر بشرية متعلمة أفضل تعليم ومكتسبة مهارات جديدة لدخول سوق الاعمال بمختلف متطلباته.
وبين أهمية اعادة صياغة دور المدرس والطلبة والمنهاج وأساليب التدريس لتمكين اطراف المعادلة التعليمية من التماشي مع تطور التعليم والتكنولوجيا، إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية وإيجاد منظومة تشاركية مع مؤسسات القطاع الخاص لضمان وضع برامجها تدريسية وبحثية تتواءم مع احتياجات السوق الحقيقية، وصولا لتنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة.
وأكد العين عويس أنه أصبح لزاما على الحكومات أن تقوم بالشراكة الفعلية والتعاون مع مختلف الشركات والقطاعات الاقتصادية والأكاديمية لتطوير الكوادر البشرية القادرة على مواكبة التحول الجذري جراء هذه التكنولوجيا قبل فوات الاوان، وذلك لأن للحكومات دورا مهما في انجاح المؤسسات التعليمية لتقوم بدورها الأساسي في تنمية الموارد البشرية للمساهمة في الثورة الرابعة.
وذكر أن على الحكومات ان تكون مرنة وداعمة لتطوير البحث العلمي كجزء مهم من عملية التعليم العالي الجامعي لتمكن قطاع التعليم من مواكبة التطورات في عصر المتغيرات المتسارعة عالميا، داعيًا الحكومات لإحداث تقدم فعلي في الادارة المدعومة من أنظمة ذكية لرفع مستوى مجالات العمل المطلوبة، واعطاء استراتيجيات التعليم أولوية وأن تكون عابرة للحكومات لضمان تطوير رأس المال البشري، بهدف خلق مجتمع مزدهر في بيئة مستدامة.
ولفت العين عويس إلى أنه مع ظهور جائحة كورونا، برزت أهمية التعليم عن بُعد والتعليم الرقمي في الجامعات والمدارس، مرجحًا أن يشهد التعليم في الوطن العربي بعد كورونا تغيرات جذرية، إذ لن يكون كما كان قبل جائحة كورونا، بحد تعبيره.
كما أكد أن دور التعليم الرقمي سيتعزز في المستقبل بشكل أوسع وأكبر، مبينًا أن هناك صعوبات في هذا المجال أثرت على المخرجات التعليمية ومنها ضعف البنية التحتية المتعلقة بتوفر الإنترنت وأجهزة الحاسوب، وعدم التفاعل الحقيقي مع التعلم عن بُعد، وهو ما يتطلب وضع خطط واستراتيجيات وتشريعات محكمة، تضمن جودة التعلم عن بعد، مع توفير البيئة الملائمة والبنى التحتية، لضمان تفاعل الطلبة مع التعلم عن بُعد ووصوله اليهم بسهولة، لتحقيق مبدأ العدالة والمساواة بينهم.
بدوره ألقى رئيس المؤتمر، رئيس جامعة اليرموك الاستاذ الدكتور نبيل هيلات، كلمة المؤتمر والجامعات الرسمية، التي ذكر فيها أهداف المؤتمر المتمحورة حول تحليل واقع التوجهات الحديثة للتعليم العالي في الوطن العربي وإلقاء نظرة فاحصة على تحديات وآفاق المستقبل.
وبين أن المشاركين في المؤتمر، الذي تستضيفه جامعة اليرموك عبر تقينة "زووم" الإلكترونية لمدة يومين متتاليين، سيتناولون الرؤية المستقبلية لدور الجامعات العربية، التي يتزيد عددها عن 1150 جامعة، لافتًا إلى أن نقاشات المؤتمر ستركز على استراتيجيات التدريس وتقنيات التعليم الذكية، والتعليم الإلكتروني والرقمي، في ظل التحديات الحالية والمستقبلية، وفي ضوء التغيرات التي طرأت عالميًا على العملية التعليمية جراء جائحة كورونا.
وأشار الدكتور هيلات إلى أنه على الرغم من تأسيس العديد من الجامعات والمراكز الأبحاث العلمية في الوطن العربي، إلا أن البحث العلمي والتعاون البحثي لم يصلا إلى المستوى المطلوب، ولم يساهما في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي المنشود، موضحًا أن التوسع الكمي للتعليم العالي في البلدان العربية يقابله تأخر من الناحية النوعية في أغلب الدول العربية، وخصوصًا عند المقارنة بالدول الغربية الصناعية.
وأضاف أن هناك تقارير تُشير إلى وجود 500 باحث عربي لكل مليون نسمة، مقارنة مع 7 آلاف باحث لكل مليون نسمة في الدول الغربية، منوهًا إلى أن مساهمة الدول العربية في النشر العلمي لا تتجاوز 3ر0 بالمئة، في حين أن تتجاوز حصة الاتحاد الأوروبي الـ34 بالمئة من النشر العلمي، بينما تتجاوز حصة أميركا إلى 31 بالمئة، معتبرًا ذلك مؤشرًا على عدم جاهزية المنطقة العربية للمنافسة في القرن الـ21.
وذكر الدكتور هيلات أن تحديات التعليم العالي والبحث العلمي تتمثل بعدم وضوح أولويات واستراتيجيات البحث العلمي، وضعف تمويل البحث العلمي، وعدم كفاية الوقت للباحثين، وقلة فرص التشبيك الإقليمي والعالمي، وضعف قواعد البيانات، وضعف التشريعات وحوكمة مؤسسات البحث العلمي، إضافة إلى هجرة الأدمغة العربية إلى الغرب.
وأوضح أن التمويل العربي للبحث العلمي يتخلف كثيرًا عن المعدل العالمي، إذ أن الدول العربية تُنفق على البحث العلمي بين 2ر0 إلى 8ر0 بالمئة من ناتج الدخل القومي، بينما يتراوح هذا الانفاق بين 4 إلى 6 بالمئة في الدول الصناعية المتقدمة، لافتًا أن مساهمة القطاع الخاص للبحث العلمي في الدول المتقدة تصل إلى أكثر من 80 بالمئة في حين لا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص للبحث العالمي في الدول العربية الـ10 بالمئة.
وبين الدكتور هيلات أن المؤتمر يسلط الضوء على التخصصات الحديثة في التعليم العالي، لتتماشى مع متطلبات سوق العمل، والحاجة الحقيقة للمجتمعات العربية من أجل بناء مسار التنمية المستدامة على أسس علمية ومنطقية مدروسة، مبينًا أن التقرير تتحدث عن تجاوز نسبة البطالة بين الجامعيين في الوطن العربي الـ30 بالمئة، في حين يزيد عدد الطلبة في الجامعات العربية يزيد عن 15 مليون.
ويُناقش المؤتمر، بحسب هيلات، أوراقًا تُعنى بآفاق البحث العلمي والابتكار والاعتمادات الأكاديمية وضمان الجودة والرقابة في التعليم الرقمي والاعداد الأكاديمي والمهني للأساتذة الجامعيين في الجامعات العربية، التي ما زالت تواجه الكثير من التحديات الجوهرية، وخصوصًا أن التقارير تشير إلى أن خطط البحث العلمي في الجامعات العربية ومتطلبات التنمية ضعيفة جدًا، بسبب انعزال وحدات البحث العلمي عن الوحدات الانتاجية والقطاع الخاص.
وأكد الدكتور هيلات أن التطوير المستمر لقضايا التعليم العالي وهو ما يضمن تخريج أجيال مستقبلية قادرة على أن يكون لها الدور الأبرز في تنمية المجتمعات.
من جهته تحدث الأمين العام لاتحاد الأكاديميين والعلماء العرب أحمد كامل بكر عن إن الاتحاد يسعى إلى تعزيز مكانة الأكاديميين والعلماء العرب داخل الوطن العربي وخارجه وإبراز منجزاتهم الأكاديمية النظرية والتطبيقية، وتشجيع روح التعاون فيما بينهم وإبراز قدرات المتميزين والمبدعين في الحقل العلمي والمعرفي.
وأشار إلى أن الاتحاد من الاتحادات النوعية المتخصصة العاملة في نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابعة لجامعة الدول العربية ومقره الأردن.
وبين بكر أن المؤتمر يُعنى بتقديم مساهمات من شأنها بلورة فكر استراتيجي تنموي وطرح ومعالجة قضايا علمية وعملية في مختلف المجالات وشتى القطاعات.
من ناحيته قال نائب رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدكتور سالم الرحيمي، إن فكرة المؤتمر جاءت من فلسفة الاتحاد ورؤيته المستقبلية في دعم مسيرة العلم والمعرفة والتأطير لتكاملية نجاح الآساليب والمناهج التعليمية في المؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي، وللنهوض بالمستوى الفكري لأنباء الوطن العربي.
وأعرب عن أمله أن يكون لتوصيات المؤتمر الأثر في تنمية وتطوير التعليم العالي ومؤسساته ومخرجاته، وهو ما يؤدي لانعكاس حقيقي على تحسين الواقع الحياتي والمستوى المعيشي وتحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالدول العربية إلى مصاف الدول المتقدمة فكرًا وتطبيقًا.
وحضر افتتاحية أعمال المؤتمر بشكل وجاهي وعن بُعد عبر تقنية "زووم" الإلكترونية، عددًا من رؤساء الجامعات الرسمية والخاصة في الأردن، إضافة إلى أكاديميين ومختصين في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من الأردن ودول والوطن العربي.