التعليم العالي في بلدنا يسير بخطى بطيئة في ملاحقته لركب التقدم العالمي، في مفهومنا واوضاعنا وامكاناتنا نعتقد للوهلة، أننا لم نتأخر ، فالأعداد بازدياد وكذا التخصصات والجامعات والنشر العلمي بما يخص البحث العلمي، وهنا التعليم النوعي العالمي لا ينتظر أحد، فإما أن تبادر وتلتحق بالقطار… أو أنه سيفوتك وتنتظر فرص أخرى قد تأتي أو لا تأتي، والصحيح والملح أن هنالك ملاحظات كثيرة وامور بحاجة لإصلاح وتطوير وربما جراحة في نظامنا التعليمي، لأن المطلوب عالمياً خريج ونتاجات نوعية غير تقليدية، ونحن نلاحظ تدني مستوى الخريجين نسبيا وظهور ممارسات تطيح بكل ما هو جميل في نظامنا التعليمي، باتت تنتشر في جامعاتنا وتتقاسمها الجامعات الحكومية والخاصة، في ظل تراخي حكومي بحيث أصبح التعليم عبر الحكومات ليس أولوية، وهذا مقتل لتقدم أي بلد، فالتعليم هو الرافعة الأولى للتقدم في شتى المجالات لأي بلد في العالم والتجارب كثيرة بذلك.
النقاط التي بحاجة لإصلاح اشرت لمعظمها في مقالات سابقة واصبحت معروفة، واعتقد ان ذهنية وتصريحات صانع أو صناع القرار في التعليم العالي تخبرنا كل صباح من خلال تسريبات أن هنالك تغييرات لم تلامس جوهر النظام التعليمي، ونتمنى أن تكون خطط شاملة ومُعلنة، لا معالجات (بالقطعة) فالإصلاح ليس بحاجة لتمرير من تحت الطاولة..! نتمنى ان تكون هنالك ثورة بيضاء تلوح في الأفق، وما نرجوه ان لا تقف الإصلاحات وتختزل بقضايا شكلية مع اهميتها مثل تغيير وتقييم رؤساء الجامعات، وقضايا أخرى تُطرح بين حين وآخر بشكل منفرد، ومع ايماني ان التغيير هو سمة النظم الناجحة، لكن ما الفائدة من تغيير رئيس جامعة بآخر اذا استمرت القضايا المالية والقوانين، تشل يد الرئيس عن إدارة المشهد الأكاديمي نحو التطور والعالمية، من الآن اقولها لمعالي الوزير اذا تم اجتزاء تطوير التعليم العالي بعملية تغيير رؤساء الجامعات فقط وتقييمهم، وتغيير بعض المواد في قانون الجامعات وقانون التعليم العالي وإعادة تدوير أعضاء مجالس الأمناء، دون النظر الى منظومة التعليم والتعليم العالي ككل متكامل والوقوف على كل صغيرة وكبيرة تحد من تقدمنا، فسنرجع لنفس المربع السابق والذي سبقه من المعالجات العقيمة والتي كانت ارتجالية ولم تغير في المشهد الا واجهته… وبقينا نواجه ذات المشاكل ونحرق المراحل ونتقدم موهومين بأننا ننجح، لنجد أننا لم نخطو الخطوة الأولى بعد..!
ما نرجوه من معالي الوزير ومجلس التعليم العالي، ونتأمل منهم الكثير بمساعدة جميع اطراف المعادلة، ان يكون التطوير والتصحيح كلياً شاملا متكاملاً للأردن الذي نطمح ونريد، وأن نبتعد عن أي أجندات او مؤثرات مصلحية آنية تبعدنا عن الهدف، وأن تشتمل عملية الإصلاح؛ الحوكمه والتمويل والتشريعات وتحديث البرامج والخطط، والتركيز على كل الجامعات وبالذات الخاصة منها، لانها في النهاية جامعات وطنية ولديها الكثير من المحددات الموجعة في طغيان وسيطرة الربحية ورأس المال على العملية الأكاديمية لدى البعض من خلال ممارسات ينقلها أعضاء هيئات التدريس فيها ويسرون بذلك ولا يعلنون خوفا على لقمة العيش وقطع الرزق… !.
ما ادعو اليه ان يعود معالي الوزير للقاعدة؛ اساتذة الجامعات والطلبة والاهالي، بالطريقة المناسبة، واقترح منصة الكترونية تنشر عليها إقتراحات التطوير والإصلاح ومن ثم تستقبل اقتراحات وتغذية راجعة من اساتذة الجامعات والمختصين والطلبة والأهالي والقطاع الخاص، للتعرف بطريقة مباشرة على اوجه الخلل واخذ تغذية راجعة من المعنيين وعكس كل ذلك بإصلاحات جادة وعملية، ضمن إطار زمني مؤسسي، لا ينتهي بذهاب الوزير!
نعم تأخرنا لأننا نسير ببطء وغيرنا يسابق الزمن بعد أن كنا منذ زمن ليس ببعيد نتقدم الجميع، التطور التكنولوجي وحركة العالم نحو التطور لا تنتظر احداً… ولا تنفع الهروله مع من يمتطي الريح نحو التقدم، لا ينفع الإصلاح (بالقطاعي) فالنظام التعليمي كلٌ لا يتجزأ ، ولا ينفع الإصلاح السطحي وذر الرماد في العيون، علينا ان نحدث ثورة في اختيار اساليبنا وادواتنا في التغيير…وأن لا نبقى نجتر الماضي وذات الشخوص التي استُفذت طاقاتها، وليس لديها جديد، لدينا عقول نيرة وطاقات شبابية وخبرات عالمية في جامعاتنا، بحاجة لتتاح لها الفرصة وأن تُجرب، ولنبتعد عن تدوير ذات الأسماء التي تتكرر منذ سنوات مع الإحترام لها ولجهودها،وهي بالغالب أعطت كل ما لديها ونال منها الإحباط وإنعدام الطموح، وأصبحت قضية الإصلاح لديها لزوم ما لا يلزم لأن مقاومة التغيير سمة من سمات الكثيرين..! نعم مطلوب تغيير يصنع النجاح… ولا يجتر الخيبات… حمى الله الأردن.