هل تغيّرت قواعد اللعبة الإعلامية في تغطية أحداث الأراضي الفلسطينية
الدكتور عديل الشرمان
تابعنا خلال الأيام الماضية ما يجري على الساحة الفلسطينية من خلال وسائل الإعلام العربية والعالمية، وفي نظرة سريعة تحليلية لمضامين هذه الوسائل ولما يجري نجد الخطاب الإعلامي العالمي تفوح منه رائحة الكراهية لكل ما هو عربي، والتنكّر شبه التام للحقوق الفلسطينية.
ما يفاجئ المواطن العربي والفلسطيني تحديدا والمتابع لوسائل الإعلام العالمية وحتى العربية أن خبر ما يحدث في غزة والأراضي الفلسطينية ليس خبرا أو عنوانا رئيسيا لوسائل الإعلام العالمية وخاصة في اوروبا وأمريكا، ولا يحتل مكانة بارزة في اهتماماتها وأولوياتها، في حين أن قنوات إعلامية عربية جماهيرية غابت عن الحدث والمشهد وقدمت ما يجري على أنها أخبار تجري في مكان آخر بعيد من العالم.
انشغلت معظم وسائل الإعلام في الولايات المتحدة (نييورك تايمز، سي إن إن، إن بي آر، الاسوشيت برس) وغيرها من الوسائل في اجراء لقاءات مع ناجين اسرائيليين من قصف صواريخ المقاومة متجاهلة ما يحدث في الجانب الآخر من مجازر ودمار وقتل وتهجير.
وركّزت معظم هذه الوسائل على عدم تمكن اسرائيل من تشكيل الحكومة، وذهبت الى وصف ما يجري في الأراضي الفلسطينية على أنه اشتباكات ومناوشات، مستخدمة كلمة موتى في وصف القتلى والشهداء لبيان أن الموقف عادي، وللتخفيف من حدة ما يجري، وللتهرب من التمييز بين الجاني والضحية، وللتستر على الجرائم والتشويش على الجمهور الأمريكي المتلقي للأخبار.
الأسوشيت برس ذهبت بعيدا بالإستخفاف بعقلية الجمهور ووصفت ما يجري في حي الشيخ جراح بالنزاع التجاري بين طرفين، في حين ذهبت وسائل أخرى إلى التمييز بين نوعين من القتلى، القتيل الجيد وهو المدني فقط، أما غيره فإن قتله يعد استحقاقا.
بعض وسائل الإعلام الأمريكية صورت المشهد على أنه محاولة قيام بعض الحشود البشرية والجماعات مدفوعة من حركة مصنفة على قوائم الارهاب الأمريكية اقتحام حدود دولة ما والتعدي على سيادتها، مما اضطر تلك الدولة لاستخدام القوة للدفاع عن أمنها.
وسائل الإعلام الأمريكية المحسوبة على الحزب الجمهوري كانت أكثر وضوحا في انحيازها التام مع اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وضرورة تقديم الدعم اللامحدود لإسرائيل في التصدي للعدوان الذي تتعرض له، وجعلت من المجرم ضحية، ومن الضحية جلاد.
حاولت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على التيار التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي سعيا منها الى ارضاء جمهورها بالاقتراب الخجول من التوازن في نقلها لما يجري من أحداث، لكنها لم تخفي انحيازها لإسرائيل.
في المجمل فإن وسائل الإعلام الأمريكية كانت أكثر خجلا من غيرها من وسائل الإعلام العالمية في نقدها لإسرائيل، وكان نقلها للأخبار مجتزأ، ومتجاهلا لحقوق الفلسطينيين، ومارس معظمها دور محامي الدفاع البارع في تشويه الحقائق سعيا لتبرئة موكله الجاني.
وسائل الإعلام العربية كانت الوسائل الأكثر ضبابية في التعبير عن رأي الشارع العام في نقل ما يجري، وظلت مواقفها وتغطيتها لما يجري حبيسة مرتبكة ومرهونة بمواقف القيادات العربية مما يجري، مبتعدة إلى حد كبير عن نبض الشارع، مما يعطيك انطباعا مؤكدا أنها ما زالت تبتعد قرنا من الزمن عن ممارستها لعملها بحرية، وتحتاج الى ربيع إعلامي عربي لتقوم بواجبها ومسؤولياتها تجاه قضاياها القومية.
بالرغم من تواضع الاهتمام العالمي بما يجري إلا أن أحداث الأراضي الفلسطينية حظيت باهتمام إعلامي أكبر من أي وقت مضى مما يؤشر إلى تغيّر ايجابي بسيط في قواعد اللعبة الإعلامية.
أما إعلامنا العربي (قناة الجزيرة هذه المرة استثناء) فقليل عليه الملح التركي (الطز)، فطز وألف طز به من إعلام أشبعنا جعجعة وتنظيرا، وعندما يتوقف الأمر عند مصالحنا القومية نراه دائما ما يغرد خارج السرب ولا يقوى على تجاوز الحدود، وألف طز بمؤسساته غير القادرة على احداث درجة من التوازن في التدفق الإعلامي، وايصال قضايانا العادلة للآخرين، وظل يراوح مكانه متجاوزا ذلك لدرجات أقل من الاهتمام بمشاعر الشعوب العربية، ومرتبطا بمواقف الأنظمة الحاكمة والتجاذبات السياسية.