قال شكسبير يوماً في الأم " لم أرى في العالم وسادة أنعمَ من حضن الأم". وهذا ليس كلاماً إنشائياً لأنَّ حضنَ الأم هو الأكثر دفئاً والأكثر حِنيَّةً والأكثر اكتراثاً بسلامة أبنائها في حطِّهِم وترحالهم، فالأمُّ تَحملُ همَّ أولادها حتى ولو كبروا وتزوجوا وأسسوا بيوتاً مستقلة، والسبب في ذلك هو قلب الأم النابض بالمحبة وحضنها الدافئ.
وقد رأينا أول من أمس في حفل الإستقلال الخامس والسبعين لمملكتنا الأردنية الهاشمية، والأول في المئوية الثانية، مثلَ هذه الحضن الدافئ لدى أبِ جميعِ الأردنيين، ملك القلوب الضامِنُ لأمنِ واستقرارِ الأردنِ وتقدُّمهِ وتحديثهِ والإنتقالِ به إلى مصاف الدول المتقدمة تكنلوجياً وعلمياً وتقنياً وإجتماعياً وثقافيا. فلم يرى جلالة الملك ضيراً أن يتخطى البروتوكول والسير خُطى للأمام نحو ثلاث سيدات تثاقلت خطواتهن بعد حصاد السنين وتعب العمر والبذل والعطاء في سبيل الخدمة العامة التي ساهمت برفع سوية الخدمات التطوعية والخيرية والمجتمعية، فكنَّ هؤلاء السيدات الثلاثة من ضمن مائة وأربعين شخصية تركوا بصمات واضحة في المئوية الأولى وقد سطَّروا أروع أمثلة العطاءِ والبذلِ والتضحية.
لذلك، فاضت في قلب صاحب الجلالة مشاعر التقدير والإمتنان الذي ترجل بضع خطوات للأمام واحتضن هؤلاء السيدات الفاضلات اللواتي عرفن بعطاءَهم المميز، الذي شكل نموذجاً للمرأة الأردنية المثابرة والقادرة أنْ تَحضُنَ هي بدورها وبكلِّ حنانٍ وحنيّةٍ أعمال الصلاح والخير والإنجازِ ليَثِبَ الأردُّنُ خطوات عريضة للأمام، ومقدمةً بذلك أجمل الصور وأورعها في دور المرأة الريادي في المجتمعات العربية وفي كل مجالات الحياة التشريعية والتنفيذية والطبية والعلمية والقضائية والتطوعية والخيرية.
لحظات لن تنسى، مفعمة بتقدير جزيل أضاف للأوسمة وساماً إنسانياً تقديرياً خالصا، وهذا ما يحذو بنا اليوم لأنْ تتوشحَ أعمالُنا بالروح الإنسانية النابعة من قلب محب وحضن دافئ لنعمل من كل القلب كما للرب وليس كما للناس، فيكونَ لعَملنا مهما كان صغيراُ معنىً كبيراً، ويُدخلَ البهجة والسرور إلى قلوبنا.
وإننا إذ نرى في أمثال هؤلاء المكرمين بوسام المئوية الأولى تكريماً لكل عملٍ نبيلٍ نقوم به من قلوبنا، مساهيمن به في بناء مجتمع إنساني محبٍّ متكافل متعاضد تفوح منه قيم النبل والشهادة الكرم والإخلاق عملاً بقول الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وسيبقى الحضن الملكي دافئاً لكل أبنائه، فهذا ديدن الهاشميين وعنوان خدمتهم في قيادة هذا الشعب العظيم وهذه الأمة العربية التي ما فتئت تبحث عن قلوب محبة ودافئة تُشعل فيها العزم والإرادة والتصميم.