حماية أسرار الدولة غاية طاهرة وحق مشروع لا يختلف عليه اثنان، لكنه يبقى قيد التنفيذ، ومرهون بمشروعية وطهارة المسوغات والأسباب، ذلك أن التوسع في الكتمان وفي الإجابة عن أسئلة مشروعة يفسد مصداقية الأنظمة والحكومات، ويدخل المجتمع في فوضى الشك والتأويل.
من باع، ومن اشترى، ومن قبض ثمن ممتلكات الوطن، وغيرها من الأسئلة التي تؤشر على مواطن الفساد، وتصم الساسة بأسوأ عبارات الخيانة، تبقى أسئلة معلقة لا ينفك الأردنيون في مجالسهم وصالوناتهم السياسية والاجتماعية في طرحها والبحث عن إجابات لها بين ركام الملفات العالقة في رحلة التنقيب عن الحقيقة، ولم يبقى أمامنا سوى اللجوء إلى السحرة والعرّافين والمشعوذين بدلا من الطبيب الذي بات غير موثوق علّنا نجد تفسيرا لأسئلة حيّرتنا على مدى سنين مضت، ولا نملك يقينا إجابات محددة لها .
لست بصدد إعادة التذكير أو طرح الأسئلة حتى لا أتهم بالمغالاة والتطرف، والتقوّل على المعنيين، فأنا لست ابو العريّف، ولا أدّعي المعرفة بأسرار الدولة العميقة حتى لا استحقّ الجلد ثمانين لكوني من غير المحصّنين، في وقت بات فيه البحث عن المعلومة خيانة، ومن حولها أصوات تجار الأوطان الناعقة بالتملق والمديح والتكسّب تعلو لإسكات الحقيقة بحجة حماية المصالح العليا وهي تردد: عاش الوطن.
الأسئلة لا تكاد تخفى على أحد، وسبق أن سُمع صداها من تحت قبّعة البرلمان من فئة الممثلين والمحصّنين من الجلد والرجم، ولن يهدأ بال للأردنيين دون الوقوف على حقيقتها، ولن يستقيم الحال بغير الإجابة عليها بكل شفافية، وعلى نحو يعيد الاعتبار والأهمية لأسئلة المواطنين وممثليهم كأسلوب رقابي على أداء الحكومة، ولا ينفع تشكيل مئات لجان للإصلاح بديلا للإجابة عنها.
الجهات المعنية في الإجابة عن هذه الأسئلة تتظاهر بالزهد وقد تعمّق ايمانها بالله حد القوة، حتى صرنا نتبرّك بنفحات ايمانها التي فاقت لقمان حكمة، وهي تلتزم الصمت مرددة بورع الصالحين: ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، وأصبح عندهم من يسأل أو يأتي بأنباء عن هذه الأسئلة من الفاسقين الذين يستحقون التعزير والملاحقة، ومن يسكت عنها يعدّ من أهل الحكمة، ومن رجالات الوطن الصابرين الذين يوفّون أجرهم بغير حساب.
الحكومات الأردنية المتعاقبة صمٌت آذانها ودسٌت رأسها في التراب وهي تحاكي النعام تهربا من الإجابة عليها، وذهبت حد الافراط في تجاهلها ظنّا منها أن الحكمة في معاقبة السفيه تركه، وبحسب العلماء عندما يتم تكرار سلوك عدم الرد إلى أقصى حد ربما يكون أحد الأطراف قد اختار قطع العلاقة دون أي تبرير واضح، ومعتقدا أنه قد هزمك وهزّ شباكك بالهدف الذهبي.
واجه الاردنيون من عمر دولتهم ثلاثة أنواع من الحكومات، حكومة الديناصور التي تقرأ وتسمع وتفعل لكنها انقرضت، واخرى تسمع وتقرأ ولا تفعل وفي طريقها للانقراض، وحكومات الإصلاح التي لا تسمع ولا تقرأ ولا تفعل والمسؤول فيها إن أخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران، وينظر لنفسه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد اطمأن أنه ناج من المسائلة لأن ربّه سيذكره.