احدهم قال مستغربا كلما سمعنا عن حدوث جناية غامضة، كلما سمعنا عن اكتشافها والقبض على فاعليها بزمن قياسي فريد، وضرب لنا مثلا حيا جريمة قتل وقعت في اربد، ومقتل طبيب الزرقاء التي لا زالت أخبارها طازجه وتدور على السنة الناس، وقبلها اكتشاف كل جرائم السطو المسلح التي استهدفت البنوك وأدت الى منع تكرار حدوثها، ناهيك عن اختفاء ظاهرة البلطجه التي عاني منها المستثمرون .ثم التفت صوبي دون بقية الحاضرين وسألني بحكم خبرتي :- كيف يحدث هذا يا ترى؟
قلت سأجيبك باختصار شديد :-
إضافة للتطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ على أجهزة كشف الجريمة، وامتلاك جهاز الأمن العام أحدثها وأفضلها على الاطلاق فيما اطلعت عليه في معرض خاص اقامته مديرية الأمن العام، وتضمن مختبرات فحص وتحليل فائقة الدقة، و أجهزة تتبع ومراقبه سرية وكشف عن الأدلة المادية غير المرئية والتقاطها من مسرح الجريمة . إضافة الى هذا، وعلى ذات الدرجه المتقدمة هناك تطور موازي في الجانب البشري من حيث أساليب اختيار مدراء الشرطة ورؤساء ألمراكز الأمنية والعاملين في البحث الجنائي، وتأهيل وتدريب المختصين في حل الغاز الجنايات الكبرى و ملاحقة الجناة والقبض عليهم وتقديمهم إلى القضاء بالأدلة القاطعة التي تثبت تورطهم، وتساعد القضاه على اجراء محاكمة سلسة، وتمكنهم من إصدار قرارات الحكم العادلة بحقهم، ولم يعد معها الاعتراف سيد الادلة كما كان..هذا جانب.
وهناك جانب آخر لما جرى.. أحسست اني أثرت انتباه الحاضرين وادهشتهم فاستأنفت الحديث. ان الجنايات احداث اعتيادية معقده لا تحل بسهولة ،لكن الجناة يقعون في قبضة العدالة مهمها حاولوا طمس الادله أو مقاومة التحقيق، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف وجها لوجه قبالة القاضي.
ومسألة أخرى مهمة لا بد من الإشارة إليها ترتبط باساليب العمل، وبالاعراف الجنائية المستقرة وطرق تحديد القيمة الأمنية لخطط محكمة في البحث والتحري ، والقدرة على فصل الخيوط المعقدة المتشابكة خطوة خطوة، والدفع بمسار التحقيق إلى اقصاه وصولا إلى محطتة الأخيرة، وهو الاهم من وجهة نظري.
تلك الخطط الإبداعية التي تلي وقوع الجريمة بعد وصف وتحليل الواقعة وفهمها، وحين يطرح المحققون فيما بينهم تساؤلات مكثفة وواسعة النطاق، ثم تضيق تدريجيا إلى أن تفضي إلى اجوبه محورية مقنعة يصلون من خلالها إلى الهدف المركزي بتفكيك اللغز ويتحقق العدل، والحيلولة دون افلات المجرمين من العقاب، وبفعل ذلك يضيق الوقت بين البداية والنهاية الأمر الذي أبهر السائل الكريم بسرعة الإنجاز الفريدة، وليسألني كيف يحدث هذا يا تري.