صدق بيت الشعر بضمونه " لا تشكو للناس جرحاً أنت صاحبه .. لا يؤلم الجرح إلا من به ألم". فلا يشعر بالجرح إلا صاحبُه ولا يشعر بالألم قدر متحمِّلِه مهما قام بالشرح والتعبير عنه، وقد ينال التعاطف والتضامن والتشجيع وكلمات العزية، لكن الجرح يأذي صاحبَة أكثر شيء، ويؤلم من حوله من المحبين.
والجروح التي تَتَسبَّبُ لنا في الحياة كثيرة، ورغم فظاعتها تبقى الجروج الجسدية أقل إيلاماً من الجروح النفسية التي تمزق أعماق الإنسان وتترك ندوباً يصعب أن تزول مع الزمن، لأنها أكثر عمقاً وأكثر شدة وأشد فتكاً وتأثيراً، لذلك فعلاج النفس أصعب بدرجات من علاج الجسد رغم تعقيداته أحياناً. ولكثير من الجروح التي تستقر في أعماق النفس لا يوجد علاج لها ولا شفاء، لأنها تصيب أعمق أعماق الإنسان خصوصاً أذ تأتت من ذوي القربى ف" ظلم ذوي القربي أشد مضاضة من وقع الحسام المهند"، ولكن الله تعالى وهو خالق الروح وهو الكفيل بشفائها، وهو واحده القادر أن يستوعِبَها وأن يعالجها، لأنه يعرف أعمق أعماقها ويقدر أن يشفيها بنعمته الإلهية. ألم يَقل المرنم في المزمور المئة والسابع والإربعين " يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم".
نعم! فملجأنا الله حينما نُصاب في أعماق نفوسنا، فيدُ الله وحدها هي الشافية، لأنَّ الدنيا وما فيها لا تقدرُ أن تعوِّض عن آلام النفس ومعاناتِها، وأن تشفيها من جراحاتِها المتسببة من فعل بني البشر، ولن تقدر أن تجبر كَسْرَها، لكن الله وحده قادر أن يَجْبِرَ جراحَ النفسِ العميقةِ والمؤلمةِ والدائمة.
فما لا نستطيع نيل شفائه من عالمنا نقدر أن ننال شفاءه من ربِّ السماء، فهو عظيم القوة ولفهمة لا احصاء، وقادر أن يشفي الودعاء ويضع الأشرار إلى الأرض. فلا نقنط من رحمة الله تعالى ولا نتوانى في طلب عونه وشفاءه وَجَبْرِهِ لخواطرنا ولجراحنا، فيدُهُ الوحيدة هي القادرة أن تملئ القلب سلاماً وطمأنينة وشفاء.