احتفى مسؤولون سابقون وأكاديميون بإشهار كتاب "لعبة الأمم وإدارة العقل العربي.. القوة الناعمة وإدارة الحكم الفكر والتحليل والإدراك.. وثائق الشهيد وصفي التل"، للباحث والمؤرخ الدكتور محمد عيسى العدوان، وذلك مساء امس الاحد في نادي الملك الحسين بعمان.
وتأتي الاحتفائية بإشهار الكتاب الذي جاء بتنظيم مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية، بمناسبة مئوية الدولة الأردنية، وذكرى مرور خمسين عاماً على استشهاد الرئيس الشهيد وصفي التل، وعشرون عاما على إنشاء المركز.
كما يأتي هذا الكتاب استكمال لسلسلة أعمال مشروع التوثيق الوطني الذي بدأه الدكتور العدوان بإطلاق الكتاب الاول "مذكرات أمة" في 2009 ثم كتاب "التلفيق والتوثيق – فلسطين وآخرون حرب عام 1948" عام 2020 وضمن تخصص التوثيق والتحليل.
وفي الاحتفائية التي قدمه فيها امين سر النادي السفير السابق محمد الخالدي، قال العدوان، إن هذا الكتاب يأتي نتاج لسنوات طويلة من الجمع والبحث والتكشيف والاطلاع على مئات الوثائق في الارشيفات العالمية، والاستناد فيه على الكم الاكبر لوثائق وصفي التل التي هي العامود الفقري للكتاب، والتي يبين فيها كيفية إدارة عقل الدولة والتعامل مع السياسية الخارجية ضمن فن فهم لعبة الأمم، حيث تم ارفاق صور الوثائق الاصلية بخط يد الشهيد وصفي التل.
ولفت إلى أن ما يميز هذا الكتاب هو؛ الاحتكام إلى الوثائق بعيداً عن النقل السمعي والمشهور من المعلومات، والاعتماد على ما ذكره وصفي التل وليس لما ذكر عن وصفي التل، وتقديم تسلسل زمني محكم يساهم في اعادة ترتيب المعلومات لتصبح ضمن الفهم المعرفي وليس المعلوماتي، وتكامل الموضوعات المعرفية الخاصة بإدارة عقل الدولة وكيفية التعامل مع لعبة الامم من خلال تعدد الملفات المطروحة للتحليل والتوثيق لتشمل مختلف عناصر هذا الموضوع تقريباً وضمن اولويات وسياسات وفكر كان يحكم فترة انشاء وادارة الدولة الاردنية والتميز الهاشمي، حيث يجد الباحث معلومات معرفية متكاملة في هذا الموضوع .
كما يتميز الكتاب، بحسب الدكتور العدوان بإرفاق وثائق اصلية بخط يد وصفي التل هي المستند المعرفي المرجعي للكتاب، وعدم الاكتفاء بالعادة المتبعة بالإشارة إلى ارقام الوثائق أو أماكن تواجدها، وتحليل توثيقي قائم على معايير التوثيق الخمسة كيف تفكر وهي – ماذا /متى/أين/كيف /من، وانضباط وعدم اتباع اسلوب المواربة أو الاستهداف أو التبرؤ والتبرير، والتعامل مع مختلف العلائق في أي موضوع بالتحليل والتكشيف والتصنيف والتوثيق، واطلاق الطاقة الايجابية لدى الشباب العربي بعدم الانسياق وراء المعلومات فقط دون العمل على التثبت منها من خلال الوعي والمعرفة وبأن امتلاك الوعي والمعرفة يساعد في التعامل مع العدو قبل الصديق.
وبين أن محاور الكتاب النقدية التوثيقية التي تم البحث فيها ضمن جدلية الكتاب وحتى يخرج الكتاب على شكله العلمي التوثيقي، كانت بعيدة عن استهداف أحد، أو تبرئة أحد، وتقديم المعرفة فيما تظهره هذه الوثائق من معلومات تم التعامل معها بالتكشيف والتصنيف والتشبيك مع الاحداث والوثائق الاخرى والتي تم الحصول عليها ، لتكون هي النبراس الذي بدأ منه عملية البحث والتوثيق. واستعرض في حديثه فصول وأجزاء وموضوعات الكتاب والخاتمة والخلاصة التوثيقية، والخلاصة الفلسفية للأوراق.
وقال إن البعد النفسي للإنسان العربي خصوصاً والإنساني عموماً من الممكن أن يُعزز أو يُشوّه بعيداً عن الأداء الحقيقي في الحٌكم والتعامل على ومع الشخصيات العامة وكذلك الأحداث التّاريخية، إذ يرفض الإنسان في عقله الباطن الهزيمة وكذلك يرفض أن يعترف ببطولة الآخرين، ومرد ذلك إلى ما يحمله من جوانب نفسية (رغبات، دوافع، صور ذهنية، خبرة نفسية،...) تجاه التعامل مع الآخرين، وخصوصاً الإنسان العربي الذي يستند في حكمه إلى الشعور بمرارة الظلم والطغيان التي عاشها خلال الحقب الماضية ومن التهميش والنسيان.
وفي هذا الاطار بين انه عند تحليل الأداء الفكري للحكم على الأحداث والشخصيات لابد لأي إطار فكري أن لا يستبعد هذه الأبعاد ومنظومة الحكم كمحدد له آثار وتداعيات عميقة على المدى المتوسط والبعيد لٌحكم المواطن (الشعب – الشعوب) على الحكام والشخصيات بمستوى الإيحاء السمعي والصورة النمطية المتدحرجة، والتي تكونت أو كونت عن شخصية معينة.
وأوضح انه يمكن أن يشكّل النقل السمعي مثلاً معياراً لسوء التقدير والتقييم وخصوصاً في الٌحكم على الحكام والملوك والرؤساء وحتى على الصحابة أو القديسين، كل ذلك مرده الصورة الذهنية المحفوظة في أذهان الشعوب، حسب الٌحكم المطلق المخزن في الذاكرة المحفورة.
ودعا إلى أن يتم دراسة الكتاب والوثائق والنظر بكل اتزان ومعيارية توثيقية في مجال الحكم على فكر وصفي التل، وكيفية إدارة عقل الدولة الأردنية للموقف المحلي والاقليمي والدولي ضمن هذا الإدراك.
وقال إن هدفه الأسمى هو إعادة بث الطاقة الإيجابية في الجيل الجديد، والعمل على أن إعادة نشر ثقافة المحبة والتسامح والٌحُكم بالعقول وليس بالسمع والنقل، وأن نجمع الطاقات ونبني الفرد العربي القادر على أن يتعلم وينتج وينجز بعيداً عن التخوين والسلبية وإنكار الحقوق والقاء التهم، سنكون حينها قادرين على أن نتعلم من الأخطاء وأن نعيد الحقوق على الاقل في هذه الفترة المعنوية إلى أهلها لنبدأ بالتخطيط الناجز، وأن نرتقي بمجتمعاتنا إلى العلياء في القول والفعل، وأن لا نركن أبداً إلى التسويف والخذلان والتحريف.
وأكد انه في هذا الكتاب لم يتحدث عن وصفي التل الأردني الشهيد، ولا عن وصفي التل رئيس الوزراء، ولا عن وصفي التل وما ترسخ في وجدان الأردنيين نحوه من عشق اسطوري حفره وصفي من خلال إيمانه المطلق بهذا الوطن وهذا الشعب العربي الأصيل، ولم يتحدث عن انجازات وصفي على المستوى المحلي والقومي والانساني والفكري، لم يتحدث عن وصفي صاحب المدرسة الوطنية في الإنتاج والعطاء، ولكنه وثق عن الشهيد التل صاحب الفكر الراسخ والعميق في فهم الأحداث وتحليل المواقف، وقدمه من خلال ما كتب الشهيد، وليس بما كتب عن وصفي، وأنه تحدث عنه من خلال إعادة تحليل وتقديم المعلومات التي ذكرها وصفي في أوراقه من الناحية التوثيقية المعلوماتية.
واختتم بقوله إن هذا الكتاب يقدم للعقل العربي توثيقا عن الماضي ليتم فهم الحاضر ويتم العمل والتخطيط للمستقبل.