رغم معاناتها منذ مدة من مرض لسرطان، إلا أن نبأ وفاة الوزيرة السابقة أسمى خضر، نزل كالصاعقة على كثيرين ممن يدركون جيدا أن "حجم الفراغ” الذي سيتركه رحيلها سيكون واسعا بما يصعب ملؤه.
خضر المولودة في 25 كانون الثاني (يناير) عام 1952، وأم لأربعة أبناء، كانت تسلمت حقيبة الثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة في عهد رئيس الوزراء فيصل الفايز عام 2004، لتعود وتتسلم حقيبة الثقافة في حكومة عدنان بدران عام 2005، ومن ثم عضو بمجلس الأعيان السادس والعشرين، إلا أن ذلك (أي المناصب الحكومية) لا تعني شيئا في مسيرة واحدة من أقوى سيدات المجتمع أكثرهن كفاءة وشراسة في ملف حقوق الإنسان بشكل عام، والمرأة تحديدا.
معروف عن أسمى خضر أنها "ولدت وفي فهما ملعقة من تعب”، وتمتلك قصة كفاح استثنائية استطاعت أن تتوجها بإنجازات جعلت منها "أيقونة نسوية” في الدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها في المجتمع.
ومما يروى عن خضر المولودة في أسرة مسيحية فقيرة، أنها اضطرت عندما كانت طالبة في كلية الحقوق بجامعة دمشق، أن تقطع دراستها في العام الثاني، وتعود إلى عمّان، لإعالة أسرتها بعد أن ساءت صحة والدها.
إلا أن خضر "العنيدة” تمكنت من إكمال دراستها في الجامعة ذاتها، لتبدأ رحلة العمل بالتعليم في المدارس الثانوية الخاصة، قبل أن تنتقل للعمل في مجال الصحافة، ومن ثم إلى العمل في مكتب محاماة بعمان، لتمارس بعد ذلك مهنة المحاماة من خلال مكتبها الخاص.
أصبحت أسمى خضر علما في مجالها مع اشتباكها مع ملفات ساخنة في ملفات كالحريات السياسية وحقوق الإنسان والمرأة، وبفضل كفاءتها وإيمانها بعدالة كل ما تنادي به وتدافع عنه وخوضها كذلك جميع المعارك بشراسة وثبات وحجة يصعب اختراقها، ذاع صيتها في الدولة وأصبحت محط أنظار على مستوى عال.
فلا يمكن حصر نشاط ودور خضر في تلك الملفات طيلة عقود، لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنها كانت رئيسة منتخبة لاتحاد المرأة الأردنية لدورتين متتاليتين، ومديرة لمؤسسة الحق (القانون من أجل الإنسان)، ورئيسة مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان)، ومنسقة المعهد الدولي لتضامن النساء/ الأردن.
كما حصلت على جائزة الشرف عن دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان من منظمة مراقبة حقوق الإنسان، وعلى وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى من جلالة الملك الحسين عن دورها في صياغة الميثاق الوطني الأردني، فيما تسملت كذلك جائزة الأمم المتحدة الدولية لمجابهة الفقر، بالإضافة لشهادات وجوائز تقديرية أخرى، لدورها في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة وإسهاماتها في العمل الاجتماعي.
ترحل أسمى خضر بمسيرة حافلة بالمتاعب من جهة، وبالإنجازات من جهة أخرى، لكن ما قدمته سيظل "حيا يُرزق” بأرشيف غني لا يمكن تجاوزه، مثلما لا يمكن تجاوز ابتسامتها التي تشعل في قلوب محبيها الأمل والقوة لمواجهة تقلبات الحياة وقسوتها.