منذ الليل نستطيع بذهنيتنا المتوارثة تحديد الأرض التي ضربها الرعد، نحدد أدق العناوين، شمال شرق غرب شمال بقرب بعد بجانب أرض فلان عند الرسم بطرف الوادي نعرفها بالفراسخ، نتهامس، لابد أن كميات الفطر كثيرة، غدا عندما تشرق الشمس وبعدما ندفي قلوبنا بالشاي والشراك المقحمش و السمن، سنذهب حيث الحدود، ونجمع ماتفتقت عنه الأرض.
هناك خربة سوداء لا تفصلنا عنها إلا همتنا، لابد من الوصول إليها، فتلك تربة قد تكون" مراح حلال" من المؤكد أن بها بقية من "دُمن " ولذا تكون الأفضل لنبغ الفطر.
أعطيت إشارة الإنطلاق لفرقتي، تقدموا إلى هناك، ولكن ظهر لنا هناك عارضا، انبطحوا، اخفضوا اجسادكم، رجل خرج يرصدنا، ينظر صوبنا، أبصر من هو،؟! بعد قليل سيكل من مراقبتنا وننفذ إلى الخربة ونملأ شوالنا فطرا.
مر الوقت ونحن نناور بدون فائدة، مللنا الإنتظار ولم يمل هو، يحمل على كتفه بندقية، لكنه لم يطلق رصاصة في الهواء ترعب طفولتنا. عقدنا العزم العودة إلى بيوتنا بعد تحليلات كثيرة ورسم خطة لليوم التالي، لابد أن الرجل سيرحل في الغد وتنجح المحاولة.
عندما عدت رحت اسرد ماحدث لأهلي، وكيف حال ذاك الشخص بيننا وبين الوصول للمكان الذي نريده، شهقت جدتي وقالت:بيضا راية الله،ولك يا غضيبة هذا عسكري والخربة اللي تريدينها ورا الحدود والحدود مليانه ألغام، ياستر ربنا.. لا وكمان ما خّوفك، علواه لو مسكك ودقك كتله يا نص نصيص.
يومها وعيت أن للأرض حدود، وأن هناك رجالا لا تغفل عن حمايتها وحماية أرواحنا.. يومها انقذنا الجندي من موت محقق نجهله.... البارحة وقت الفجر كانت الحدود ترتجف من البرد، رفعت الدماء درجة سخونتها، دماء من لا يكل ولا يمل من حراسة نومنا... حتى لصوصنا كانوا ينعمون معنا بالسلام والغفو الهانئ...لروح شهيدنا محمد الخضيرات رضوان الله ورحمته ولزملائه الشفاء العاجل بإذن الله..