عن الوفاء يقول ابن منظور في معناه اللغوي : هو "الخلق الشريف العالي الرفيع.
وجاء في المعجم الوسيط عن الوفاء: وفى الشيء يفي وفاء، ووفياً : تم .
وقال الجرجاني إن الوفاء هو : " ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء".
وقال الغزالي إن الوفاء هو : " الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد المـوت مـع أولاده وأصدقائه " أو هو : أداء الحق.
وفي المجمل الوفاء : يعني الخلق العظـيم الـدال علـى التمـام والإكمال.
مما لا شك فيه، ان الحياة العسكرية، تختلف تماما عن الحياة المدنية.
حياة الجنود، عنوانها الضبط والربط، وشعارها الطاعة،
وعمادها إحترام الوقت والنظام .
ولهذا يواجه العسكري، بعد إحالته على التقاعد، صعوبة في التأقلم مع الحياة المدنية، لأنها مخالفة تماما، لما إعتاده طوال حياته العسكرية.
المتقاعدين العسكريين ، هم الجنود الإحتياط، عند النوازل والملمات، وهم الرديف والسند، للجيش النظامي، وهم أهل الإختصاص والخبرة والدراية،في كثير من المهمات، وهم المدافعون عن الثرى والحدود، سابقا ولاحقا، يسطرون معاني المجد، في كل حين وآن،ينشدون المعالي ليكون لهم شرف النصر او الشهادة.
في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، في النفس شجون ومن الذكريات ما لا تمحوه السنين، ولا تزيله رواسب الجفاء، وإن جفى بعض قومى او تنكروا.. لمن كانوا على الحدود وخلف السواتر وفي الخنادق، تحت لظى الشمس الحارقة في تموز، أو في برد ليالي كانون .
حددت المادة (2)، من قانون المؤسسة الإقتصادية والإجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء لسنة 1977) وتعديلاته.
أن المتقاعدون العسكريون والمحاربون القدماء هم: الضباط وضباط الصف والأفراد الأردنيون، الذين أحيلوا على التقاعد ممن خدموا في القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية .
كما حددت ان العضو في المؤسسة: هو المتقاعد العسكري والمحارب القديم المشترك في المؤسسة.
وقد بينت المادة (5) مهام وواجبات للمؤسسة،
لا اشكك ابدا، أن المؤسسة، تبذل جهودا كبيرة، للقيام بواجباتها تجاه رفاق السلاح،من المتقاعدين العسكريين، ولكن ربما بسبب عدة عوامل، إقتصادية وقانونية وإدارية، يظهر الخلل ويكون التشكي، ومنه ما يظهر عيانا، وكل منا إما له اشقاء او أقرباء او اصدقاء، من المتقاعدين العسكريين، ومطلع على معاناة بعضهم.
وهنا اسال.. بما ان للمؤسسة مجلس أعلى، كما في المادة (8)، ومجلس تنفيذي كما في المادة(9)،وفي المجلسين ذوات وصناع قرار، اذا لماذا لا يزال يشتكي المتقاعدين العسكريون، ولماذا يحتجون؟
ولماذا لم يبادر هولاء الذوات، ويضعون النقاط على الحروف، ويضعون المزيد من الخطط الكفيلة التي تظمن العيش الكريم لكل متقاعد عسكري؟
بعض تلك الاحتجاجات والشكاوى، كانت محط إهتمام، ومتابعة شخصية من جلالة الملك ، وقد التقى بممثلين عن المتقاعدين، وإستمع لهم، ووجه عدة مرات بتحسين أحوالهم، وإيلائهم المزيد من الرعاية والإهتمام.
إن من الوفاء للمتقاعدين العسكريين، هو التوجيه الملكي المتكرر، لرعايتهم والاهتمام والعناية بهم وبإسرهم،وتحسين كافة أحوالهم المعيشية.
وإن من الوفاء ايضا، تكرار الزيارات الملكية المباشرة والميدانية، لمنازل بعض المتقاعدين .
تلك الزيارات واللقاءات، وما نتج عنها، هي الدافع والسبب الرئيسي لإطلاق المبادرة الملكية، تحت مسمى "برنامج رفاق السلاح" ، وهي عدة برامج ومحاور، وضعت وخطط لها بعناية، وتحظى بدعم مباشر من جلالة الملك، وبمتابعة خاصة من سمو ولي العهد، والتي اشتملت على خمسة محاور رئيسية، للرعاية الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية، ولتضمن لاحقا الحياة الكريمة لكل المتقاعدين، وقد تحقق أغلبها، لكني ويؤيدني كثير.. ان اكثر ما يحتاجه المتقاعدين العسكريين هو التشغيل.. والتوظيف، لهم اولا، وخاصة فئة الأفراد وبعض فئات الضباط لمن هم دون رتبة مقدم ولأبناءهم.
جميل ان نحتفي بيوم المتقاعدين العسكريين، الذي يصادف في الخامس عشر، من شهر شباط من كل عام، كيوم مميز، للوفاء لهم، ولإستذكار تضحياتهم.
وكم هو جميل ايضا إطلاق الطاقات الفكرية والبحثية والأدبية، وفي كل المجالات للمتقاعدين العسكريين، ولتتويج ذلك النتاج، أن يكون هناك احتفال رسمي خاص وبرعاية ملكية، يشتمل على تكريم ملكي، لكل المبدعين من المتقاعدين العسكريين، وفي كل المجالات.
ومن الوفاء، وبما اننا نسعى للافضل، فإن من الواجب إعادة النظر بكل التشريعات، التي تتعلق بالمتقاعدين العسكريين، لتعديلها وبما يتوافق ويتلائم مع كل المتغيرات والتطورات.
ومن الوفاء للمتقاعدين العسكريين، إعادة النظر بالخطط التنموية والاستثمارية، لتشتمل على كل القطاعات الواعدة التي يحتاجها السوق الوطني ولدى بعض دول الجوار، بعد إجراء الدراسات والجدوى لها.
إن من الوفاء للمتقاعدين العسكريين.. زيادة حقيقية لرواتبهم بشكل حصري، لا والف لا.. ان تذهب بعض مخصصات الموازنة سدادا لفوائد الدين العام!
فيما يحرم المتقاعدين العسكريين وغيرهم من اية زيادة، خاصة في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار والعجز الحكومي الواضح عن كبح جماح ذلك.
ولكن في النفس أماني.. في حال تكرمت الحكومة مستقبلا.. واقرت اية زيادات، اتمنى أن تشمل أية زيادات قادمة على رواتب المتقاعدين العسكريين ، ليكون الحد الأعلى منها على رواتب الافراد وضباط الصف ثم الضباط، وبشكل تصاعدي لا تنازلي.
ومن الوفاء للمتقاعدين العسكريين،والعاملين شمولهم وذويهم، بالتامين الصحي في المراكز الطبية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وخاصة في حالات الطوارئ، وتأمين نقلهم من أقسام الطوارئ، في مستشفيات وزارة الصحة إلى المستشفيات العسكرية، واعفاءهم من كل البدلات المالية.
وكم هو جميل ان يشمل برنامج رفاق السلاح ومحاوره، على اكبر عدد من المتقاعدين العسكريين، من فئة الإعتلال الطبي، والعاملين المدنيين على المادة"76"، واعادة النظر برواتبهم، فلا يعقل ان من أفنى سنين عمره، وزهرة شبابه، ليبلغ راتبه في حده الاعلى، 450 دينار، وعند التقاعد المبكر يهوي الى ما لا يتجاوز عن 300 دينار أو اقل بكثير.
إن الحديث عن الوفاء للمتقاعدين العسكريين، حديث ذو شجن، لا يقف عند حد، بل يتجاوز كل الحدود والسدود، لكن الاهم، هو ان يكون الوفاء بما يحفظ للمتقاعد العسكري كرامته وعيش كريم، حتى يشعر أن سهره في ليالي البرد الشديد، وايام الحر والهجير، تحت لظى الشمس،على الثغور والحدود، لحفظ امن البلاد، هي محط إهتمام ورعاية من الجميع.
ختاما... اتمنى لوطننا الأردن الأغلى، ولرفاق السلاح من العاملين منهم والمتقاعدين ، كل الخير والسلامة.
وكم اتمنى ان يكون الإحتفاء بهم، في يوم الوفاء لهم في العام القادم، وقد تحققت كل الأماني، وتنفذت كل التطلعات والتوجهات، لتكون حقائق على أرض الواقع.