فيما كانت أنظار أبناء الأمة مشتته في متابعتها لما يجري في منطقتهم وحولها، وفيما كانت أبصارهم زائغة ،وبوصلتهم تائهة، وبعد أن فقد الكثيرون منهم قدرتهم على ترتيبات الأولويات، في أثناء ذلك كله تعلقت أنظار ابن فلسطين بالمروحية التي حلقت في سمائهم وهتفوا للنشمي الذي كان يمتطيها قادماً إلى رام الله مقترباًُ من القدس، ليصحح للأمة أولاً وللعالم كله ثانياً اتجاه البوصلة، مؤكداً أن القدس هي القبلة التي يجب أن تتجه إليها كل الجهود ، وأن فلسطين هي الأولوية التي تتقدم على ما سواها, فمن غير عبدالله الثاني ابن الحسين قادر على هذه الممارسة التي من شأنها تصحيح مسار التاريخ من خلال تصحيح إتجاه البوصلة في اللحظة المناسبة، فهذا هو دور أبناء التاريخ وصناعه أمثال عبدالله الثاني سليل الأسرة التي هي من أعمدة تاريخ الأمة.
زيارة عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده يوم الإثنين الماضي ليست عادية بكل المقاييس، وليست زيارة مجاملة بكل المعايير، ذلك أنها جاءت بعد سنوات عديدة من آخر زيارة قام بها جلالته لرام الله, وهذا يعني أن هناك ما يستدعي أن نذكر العالم بأننا في الأردن وفلسطين جسد واحد وأصحاب قضية واحدة، ندافع عنها من خندق واحد ،ونحرص على أن تظل الأولوية الأولى على جدول أعمال كل المؤتمرات واللقاءات التي تبحث قضايا المنطقة ومستقبلها , فلا استقرار لهذه المنطقة بل وللعالم وشعوبه إلا باستقرار الأوضاع في فلسطين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني وعاصمتها القدس الشريف التي يجب أن يتكاتف العالم للحفاظ على مكانتها الدينية وخصوصيتها التاريخية وحماية كل ما يحمي هذه المكانة وهذه الخصوصية.
بُعد آخر لتوقيت الزيارة الملكية لفلسطين،فقد جاءت بعد أن رفض الأردن حضور إجتماع النقب الذي دعا إليه وزير خارجية إسرائيل، تعبيراً عن رفض الأردن للمارسات الإسرائيلية،ورفض لجر الأمة إلى حروب ليست حروبها ، بعد آخر هام للزيارة يتمثل في أنها تأتي على أبواب شهر رمضان الكريم، وفي ظل تصاعد أجواء الشحن والتوتر التي تسود فلسطين عموماً والقدس على وجه الخصوص، بسبب الغطرسة الإسرائيلية التي تترجم بأعمال عدوانية تستهدف تغير واقع القدس على وجه الخصوص ، مما يعني أن إنفجار الأوضاع هناك قد يحدث في أية لحظة، لذلك فإن جلالته يسعى إلى أن يمنع هذا الإنفجار حفاظاً على سلامة أبناء فلسطين وحماية لأرواحهم من جهة وليؤكد من جهة ثانية أن الأردن سيكون إلى جانب فلسطين وقضيتها وشعبها في كل الأحوال وكل الأوقات، كما كان شأنه منذ بداية هذه القضية التي تحتضن أرضها جثامين مئات الشهداء من أبناء الجيش العربي الأردني، مثلما تحتضن جثمان الحسين بن علي الجد الثالث لعبدالله الثاني بن الحسين مفجر ثورة العرب الكبرى الذي ضحى بعرشه على أن يضحي بتراب فلسطين حفاظاً على تاريخه وتاريخ أسرته، وعلى أبواب الأقصى صعد عبد الله المؤسس الجد الثاني لعبد الله الثاني الذي يؤكد دائما أنه وفي لتاريخه الهاشمي فيحدد مواقفه على ضوء هذا التاريخ، فهكذا هم أبناء التاريخ يحركهم المجد فيصنعون الأحداث والمواقف الكبرى في التاريخ