فيلم "كرامة” أول محاولة سينمائية أردنية جادة؛ لرفض التطبيع المهين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من اخراج زيد غزال فريحات.. الفلم الأردني يتناول خطورة التطبيع على الدول العربية قاطبة بما فيها الأردن..
أطلق المخرج الأردني زيد غزال فريحات مساء الأربعاء الموافق 23 مارس 2022 فيلمه السينمائي "كرامة” على مسرح مجمع النقابات المهنية الأردنية بحضور نخبة من الفنانين والسياسيين الأردنيين وقد لاقى استحسان وحماسة الجميع.
ويستوحي المخرج اسم الفيلم من معركة الكرامة، مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي مرت ذكراها الرابعة والخمسين قبل أيام وتمازج فيها الدم الفلسطيني والأردني، ويعالج من خلال الفيلم، ترويج البعض للتطبيع بكل أشكاله وخاصة الثقافي منه ومسخ المناهج المدرسية لتتلاءم وذلك، في قصة تتحدث عن اثنين من الجنود الذين شاركوا بمعركة الكرامة، ومع مرور الوقت انصاع أحد الجنود للواقعية السياسية، وأصبح مطبعاً بينما بقي الثاني ثابتاً على موقفه وكله أمل بزوال دولة الاحتلال.
وشارك الجنديان الأردنيان سليمان وسليم في الحرب واستشهد اثنان من زملائهما، أثناء القتال ليقوما بدفنهما في كهف قريب من المعركة وتعاهد الجنديان على زيارة قبري زميليهما الشهيدين في كل عام، والمبيت داخل الكهف ليلة واحدة تغمرهما ذاكرة حية لا تبور يستلهمان أفكارهما المتجددة من ذكرى معركة الكرامة وكأنهما على تماس مع العدو الصهيوني. تلك المعركة التي توجت بانتصار الجيش العربي الأردني وفصائل فلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي البغيض، الذي تلقى أول هزيمة له على يد عربية عام 1968؛ لكن مع مرور الزمن تعاقبت الهزائم والانتصارات التي شهدها الجنديان ومنها محطات سياسية مختلفة من اتفاقيات كامب ديفيد ثم أوسلو ووادي عربة مروراً بحرب الخليج واحتلال العراق، ومن منطلق الإصابة بالإحباطات التي أورثتها الهزائم في العقل العربي أصبح سليم ينادي بالواقعية ورأى أن التطبيع بات ضرورة في ظل عدم فاعلية الحرب أمام هذه الهزائم المتعاقبة دون أن ينسى ذكرى معركة الكرامة الخالدة، التي غذت عقله وقلبه بمعطيات القوة ولبثت تشع في أعماقه طاقة إيجابية حتى وهو غارق في واقعية الأمر الواقع.
أما سليمان فكان على العكس من ذلك، لم يرق له حال زميل السلاح السابق وما ينادي به من تطبيع عبر شاشات الإعلام وكان ذلك يشعره بالغصة، وحاول مراراً وتكراراً اللقاء بصديقه لإقناعه بضرورة التمسك بالمقاومة التي حققت الكثير منذ بدأت تقارع العدو الصهيوني وتنزع عنه أكاذيب الجيش الذي لا يقهر، إلا أنه لم يسمع منه فالواقعية طغت على حياته وأحاطته بالمغانم.
ولكن كما يبدو فقد طفح الكيل لدى سليمان وقرر أن يخطف صديقه سليم -طبعاً من باب العشم- واقتياده مكبلاً إلى الكهف الذي دفنا بداخله زميليهما في المعركة، وهناك بدأت الأحلام تتراءى لسليم المطبع، وشاهد الشهداء يخرجون من قبورهم على وقع أغنية ترفض التطبيع.. فتحول الكهف في المتخيل إلى مسرح يلفه الغموض ويقدم فيه اشباح الموتى إيماءات معبرة ومؤثرة حتى تحكمت الأجواء بمشاعرهما الفيّاضة.
ورغم تبني سليم للنهج الواقعي الذي هو أحد أشكال الاستسلام وخاصة كلما التقى رفيق سلاحه، سليمان، كانت الأسئلة الصادمة تدغدغ مشاعره أحياناً حتى ينقضي الأمر ويذهب كلُّ إلى شأنه فيعود إلى نهجة "الواقعي” باستلاب؛ أما هذه المرة فالاختطاف أعاد إلى سليم رشده، وهو في الكهف حيث ينتصب قبرا زميليه الشهيدين كشعلة تضيء الوجدان، وأثناء ذلك، يباغت سليم شعورُ بأن دماءهما لم تذهب سدًى.. وأصبح الكهف ملاذاً للأغاني الوطنية التي تقارع التطبيع بما في البطولة من سمو؛ لتستحوذ على وجدان سليم الذي سوف يقتنع أخيراً بأن التطبيع مجرد عبث وخسائره الأخلاقية فادحة.. وتبقى شواهد النصر منتصبة كالقناديل وهي تحيي حكايات النصر في عتمة ما أرخته الواقعية المضللة من ظلام.
من جهته قال كاتب الفيلم الروائي الأردني زياد غزال تعقيباُ على الفلم في عرضه الأول، إن الفيلم هو العمل الثالث له في مقاومة التطبيع حيث كان العمل الأول له بعنوان مسرحية تحطيم العداء التي شهدت عدة عروض قبل أكثر من عشرين سنة قبل أن يتم منعها من قبل الأجهزة الأمنية، والعمل الثاني كان قصة للفتيان بعنوان :”غابة النهر العذب”، التي تناولت مقاومة التطبيع، وقال الكاتب أنه بصدد التحضير لفلم سينمائي آخر يصب في تعزيز مناعة الأمة للمقاومة ما وصفه ب”فيروسات الأعداء” ومحاولة استهداف الوعي المجتمعي.
أما الممثل أحمد عياش، الذي لعب دور الجندي المقاوم (سليمان)، قال: إن "الفيلم جاء كرد على ما تشهده السينما العربية من محاولات لدس التطبيع في الأعمال الفنية، القضية الفلسطينية أمانة في أعناقنا ويجب علينا تقديم ما يحترم الجمهور”.
وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم من بطولة نخبة من الفنانين الأردنيين، أحمد عياش، يوسف كيوان، وقصة وسيناريو وحوار الكاتب زياد غزال فريحات وإنتاج الشركة الأردنية بلولايت فلم.
الفلم عميق ويغطي تفاصيل كل التغيرات التي شهدها الوطن العربي إزاء التطبيع وكيف أنه عجز أمام الذاكرة النضالية التي ظلت توقظ الروح النضالية باتجاه المقاومة الفاعلة للاحتلال الإسرائيلي.. هذ العمل يعتبر جزءاً من المقاومة الثقافية للمشروع الصهيوني غير المستقر.