دخلت كعادتي بعد طرق باب الغرفة الصفية مستأذنة المعلمة لحضور الحصة ....وقفت الطالبات باحترام ....دلفتُ و جلستُ مجاورة إحدى الطالبات التى لم تتوقع للحظة أن أشاركها مقعدها ربتُ على كتفها وأنا أشير لها على السبوره لتتابع معلمتها وأعترف أنني لم أتابع المعلمة بقدر متابعتي لذاكرتي التي أعادتني ردحا لا بأس من الزمن لحصة مماثلة في اللغة العربية حين طلبت منا المعلمة ذات يوم تحضير قصة لا زلت أذكر اسمها جيدا (الزنبقة السوداء) سلمتنا إياها من السلة الصفية لمكتبة المدرسة _للعلم المكتبة خزانة صغيرة لا يتجاوز عدد الكتب فيها عن ثلاثين كتابا _كنا سبع طالبات _هن كل الصف....
حيث كانت الصفوف مجمعة ..أي الصف الأول والثاني في صف والثالث والرابع في صف والخامس والسادس أي نحن في صف آخر .
تجمّعنا معا نحن الطالبات السبعة بعد المدرسة فنحن بنات قرية واحدة لتحضير القصة ...كان من السهل أن نتجمع في مكان واحد ....كان الاتفاق أن يكون التجمّع في ساحة بئر ماء للحي وبين البيوت التي هي بلا أسوار لكننا لم نحضّر القصة ...ولم نقرأ منها حرفا .... سرقتنا الطفولة بلهوها لنقف في اليوم التالي ونأخذ حظنا من التوبيخ وحظا اكبر من عقوبة قاسية ....... نسخ القصة خمس مرات وسنلتزم بذلك ....فقناعتنا بالمعلمة انها ستقوم بعدّ ًٍّ النسخ حرفا حرفا يجعلنا لا نغفل حرفا منها مع حفظ صفحة من القصة وقراءتها غيبا أمام الجميع .. للعلم القصة لا تقل حسب ذاكرتي التي صرت أسعفها يوميا بحبة ( ب 12 )...عن خمسين صفحة إضافة الى عقوبة لتحضير قصة أخرى بعنوان (تاجر البندقية) ....(.اؤكد نحن في الصف السادس).. وبدأ تنفيذ العقوبة بحذافيرها .. كانت عقوبتنا تلك تعليلة الختيارية.. الذين كانوا يتسامرون يوميا على جانب الطريق الوحيدة في القرية تحت شجرات السرو التي لا يزال بعضها ماثلا يقاوم حالة التحضر القسرية لقريتنا الوادعة ( دابوق ) كما كانت العقوبة مثارا لسخرية بقية الطلاب والطالبات والأهل في المدرسة والقرية .
وأنجزنا المهمة دون اعتراض أي طالبة منا... ودون تذمر ولي أمر بل على العكس... كان نصيبنا من (البهدلة ) من الأهل لا بأس به .
صحوت من طيف الذاكرة على صوت تأنيب المعلمة لإحدى الطالبات وهي تتعثر في قراءة نص من الدرس استأذنت المعلمة لأجري اختبارا سريعا لمهارة القراءة لبعض الطالبات ....صعقت لما سمعت ولما رأيت ...
لملمت أوراقي وخرجت وانا أقول في داخلي سقا الله على أيام...
كتاب القراءة المصورة ( راس ..... روس).
اكتب اليوم وانا مدعوة بعد ساعات لمؤتمر لتطوير التعليم كعضو جمعية تربوية لتطوير التعليم .
نعم نحتاج لإعادة النظر بكامل المنظومة التعليمية بدءا بالمنهاج وانتهاء بالمخرج التعليمي ومحور العملية التعليمية ألا وهو الطالب لعلنا ننقذ ما يمكن إنقاذه لمستقبل وطن عماده هذه الأجيال التي هي ضحية متغيرات كثيرة لا حصر لها .