إنه وقت المغرب، رفع مؤذنو المساجد الأذان وقد خلت الشوارع من المارَّة، والجميع قالوا الدعاء المأثور "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ولصوم غدٍ نويت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"، وباشروا بتناول الطعام بعد ساعات طويلة من الجوع والعطش.
إنه المشهد الرمضاني الأحب إلى قلوب المسلمين، لا سيما إن كان الاجتماع على الموائد الرمضانية داخل المنازل رفقة الأهل، ومهما زاد عدد الحاضرين المجتمعين على المائدة كان الفرح أكبر؛ لما يمثِّله الاجتماع في هذه المناسبة من خير عند المسلمين.
هذا هو الحال الذي تشتهر به دول الخليج، التي تعبّر شعوبها عن حبها للشهر الفضيل، بتعمير الموائد بما لذَّ وطاب من مختلف أنواع الأطعمة.
والطعام هو أيضاً في هذا الشهر يكون أكثر لذة ويفتح الشهية، على الرغم من أن الأطباق نفسها تكون حاضرة على موائد أيام بقية أشهر السنة؛ أما السبب فهو "بركة" شهر رمضان، وفق ما يعتقده سكان الخليج والمسلمون بشكل عام.
أكلات موحدة
تقارُب شعوب دول مجلس التعاون، التي تعود عديد من أصولها إلى قبائل تنتشر في الجزيرة العربية واليمن، جعل عاداتها متشابهة في كثير من تفاصيلها، والأكلات أهمها.
وفي رمضان، هناك أطباق ومشروبات تنتشر على موائد جميع شعوب دول الخليج، لا سيما التمر واللبن الرائب، ويعتز كل شعب بالتمور التي تُزرع في بلده.
وعلى الرغم من التطور الحضاري الكبير الذي شهدته بلدان الخليج، التي جعلته يعرف تقاليد وأكلات غير محلية، فإن شعوب هذه البلدان ما زالت تتمسك بالعادات والطقوس التراثية القديمة في هذا الشهر، وفيه ما زالت الأسر تلتزم تقديم أكلات تراثية قديمة عرفتها الشعوب الخليجية منذ مئات السنين.
لعل عادة الغبقة هى إحدى العادات العريقة لدول الخليج، وفيها تجتمع الأسر أو الأصحاب أو الأقارب على الموائد العامرة بعد صلاة التراويح، وهم يرتدون ثيابهم التقليدية. وفي الغبقة تقدم الأطباق الدسمة والحلويات.
وتبرز أطباق أطعمة متشابهة في دول الخليج وهي بطبيعتها أطعمة تراثية توارثها سكان المنطقة الخليجية، أبرزها الجريش والثريد والهريس والتشريبة والجفشة واللجيمات المهلبية.
هذه الأطباق تقدَّم في الإفطار والغبقة والسحور، وتعتبر أكلة الثريد هي الأشهر خليجياً بين الأكلات الشعبية التي توارثها سكان هذه المنطقة.
والثريد أكلة عربية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، ويتم تحضيرها بوضع مرقة اللحم والخضراوات فوق شرائح الخبز.
ويختلف اختيار الخضراوات تبعاً للموسم والذوق الفردي، كما تختلف التوابل بحسب الرغبة، لكن الزعفران والكزبرة وبذور الكمون هي الأكثر شعبية في دول الخليج.
معجنات منزلية
مطابخ المنازل الخليجية لا تهدأ في أيام رمضان، مثلها مثل بقية مطابخ المسلمين في شتى بقاع الأرض.
ورغم أن بعض الأكلات التي تصنَّف في خانة المعجنات تباع بالأسواق جاهزةً على الموائد الرمضانية الخليجية، فإن ربّات البيوت الخليجيات لا يتركن المائدة الرمضانية خالية من معجنات مطابخهن.
ومن بين هذه المعجنات الأكثر شهرة "السمبوسة"، حيث تكاد وجبة الإفطار لا تخلو في غالبية الموائد الخليجية منها.
والأصل في السمبوسة أن تكون مثلثة الشكل، وأن تُصنع بعجينة الرقائق "ورق السمبوسة"، ويوضع داخلها اللحم، بيد أن الطهاة، وربات المنازل، ابتكروا طرقاً جديدة لها، فأصبحت تصنع بالجبن والتونة والخضار.
وتختلف طريقة تحضير السمبوسة واختيار الحشوة، ما بين الأسر الخليجية، مع اتفاق الغالبية على أنها زينة سفرة الإفطار، ولا يمكن التخلي عنها في الشهر الفضيل، فالجميع يحب مذاقها، كباراً وصغاراً.
أكلات خاصة
الأكلات الخليجية، وإن كانت تتباين أحياناً وتتشابه في أحيان أخرى، لكنها تجتمع على عنصر رئيس في هذا الشهر الفضيل، وهو المائدة الرمضانية، التي تشتهر كل دولة من الدول الخليجية بأطباق تُميزها عن الأخرى.
ففي السعودية تعتبر "الكبسة"، وتطهى مع لحم الضأن أو الماعز أو مع الدجاج، ويُضاف إليها الأرز ذو الحبة الطويلة ومرق اللحم أو الدجاج والبهارات الخاصة بها والتي تعطيها الطعم اللذيذ والرائحة الزكية.
ويعتبر طبق "التشريب" من أشهر الأكلات الكويتية التي يكثر إعدادها في شهر الصيام.
ويعتمد تجهيز "التشريب" على خبز الخمير أو الرقاق مع مرق اللحم، إضافة إلى القرع والبطاطس، وحبّات من الليمون الجاف.
في قطر يُعد طبق "مكبوس"، من أشهر أكلات المطبخ القطري خلال شهر رمضان.
يتكون طبق المكبوس من البهارات الشرقية والأرز ولحم الضأن أو الدجاج أو سمك الهامور.
كما تعد "المضروبة"، وهي عبارة عن طبق دجاج في ثريد كريمي، من أكلات القطريين خلال شهر رمضان.
ويعتبر "الهريس" أحد الأطباق الشعبية الشهيرة الرئيسة في الإمارات العربية المتحدة.
ويعتمد الهريس، على القمح المجروش واللحم المفروم، ويمكن تحضيره بالدجاج أو باللحم، يضاف إليه البصل والكمون.
وفي البحرين، عرف البحرينيون خلال شهر الصيام، طبق "القوزي" الذي يتكون من لحم الضأن المشوي، ويقدَّم مع الأرز الأبيض المسلوق والبصل والتوابل، والبرياني البحريني.
وتعتبر "العرسية" وتسمى أيضاً "الدرنة"، أبرز أكلات العُمانيين، وتشتهر الموائد الرمضانية بحضورها بين الأكلات الرئيسة وعلى الموائد الكبيرة العامرة.
تتكون هذه الأكلة من الأرز واللحم مع البهارات والملح، لكنها تُطبخ بطريقة خاصة وبكميات كبيرة.
ويقدّم البعض العرسية مع الصلصة أو تسمى محلياً "الترشة"، كما أن البعض الآخر قد يستخدم في العرسية الدجاج أو السمك بدلاً من اللحم.