"القلبُ لغير الطواقي الحُمْرِ ما عَشِقا ولغيرِ الجِباهِ السُّمْرِ ما خَفَقا"
عندما أمر الملك الراحل العظيم الحسين طيّب الله ثراه ، بتشكيل القوات الخاصة في نيسان عام 1963م ، كانَ يُدرك بأنّه يصنع التاريخ لهذا الحِمى ، لما تَرَكَتهُ هذه القوات من آثارٍ خالدةٍ ، حَمَلَت الشُّعلة لتضيء بها الطريقَ ، نَسَجَت دُرَرَاً على جبين الوطنِ ، شَكَّلَت العُمق الوطنيِّ والقوميِّ ، بَرهَنَتْ باليقينِ الذي لا يعتريه الشَّكُّ ، بأنَّ أمنَ الوطنِ يُحمَى بفوَّهاتِ البنادقِ ، وليسَ ببلاغةِ المنابر ، لا يُطلِق النارَ على تاريخنا إلا حاسدٌ أو ناكرٌ أو مارقٌ ، يعوي في الصحراءِ بلا مأوى ، (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) ، الحاقدُ يكره القوات الخاصَّة لمزاياها وليس لعيوبها ، لكي (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) .
عيد تشكيل القوات الخاصة ،فرصةٌ تاريخيَّةٌ للاحتفال بالإنجاز الهاشميُّ والرِّعايةُ الملكيةُ الساميةُ ، نستذكرُ القادةَ والضباطَ وضباطَ الصفِّ والأفراد ، نستعرضُ تاريخاً كًتِبَ بدماءِ الشَّهداءِ ، بدموعِ الأُمَّهاتِ الثَّكالى ، بنحيبِ الأيتامِ ، نستذكِرُ أراملَ ما يزلنَ يجلسنَ على عتبات البيوتِ ، ينتظرنَ عودةَ من رحلوا خلفَ الأُفُقْ ، كَشُجيرةٍ جافَّةٍ اقتلعتها الرِّياحُ ، نحتضنُ ذِكرَياتَ رفاق السِّلاحِ وزملاءَ العُمر ، مسيرةُ كفاحٍ تشتَعِلُ في الضَّمائرِ ، تُحَرِّكُ المشاعِرَ ، تسكُنُ القلوبَ ، تعيشُ في الصَّدورِ ، نتوقُ إلى فُرصَةٍ نُطفئ بها مرارةَ الفُراقِ ، ووَحشَةَ الغِيابِ ، نسترجِعُ محطَّاتِ الماضي، نستعذِبُ مرارةَ الدُّفلى ، نستمطِرُ غيومَ الرَّحمَةِ على أضرِحَةِ الشهداء ، نقرأُ صفحةً لن تطويها الأيامُ.
نَشَأَت وترعرعت القوات الخاصة بين رموش الملك الراحل الحسين طيَّبَ اللهُ ثراهُ ، بينَ أحداقِ عينيهِ ، في سُويداءِ عقلهِ وقلبهِ ، تغنَّى بها بأجزلِ العباراتِ ، وَصَفَهَم بِأبلَغِ المعاني ، كحدَّ السَّيفِ ، ورأسَ الرَّمحِ ، وزُبدة القوات المسلحة ، وشرفَ الأُمَّةِ ، وشرَفَ الحُسينِ ، إستنهضَ الهِمَمَ ، فَعَلَتِ الهاماتُ وارتفعتِ القاماتُ .
رِجالُ القوات الخاصة أمضَوا زهرةَ شبابهم وربيعَ أعمارِهم ، تتقاذفُهُم أمواجَ الحياةِ ، بينَ قرِّ الشتاءِ وحرِّ الصيفِ ، يفترشون الأرضَ ويلتحفون السَّماءَ ، لوَّحَتِ الشمسُ هاماتهم ، نَخرَ البردُ عظامَهُم ، هي خُطى كُتِبَت علينا ، ومَنْ كُتِبَتْ عليهِ خُطى مشاهَا ، هي مضارِبُنا من سفوحِ شيحان حتى سهول حوران ، هي ميادينُ نرتعُ ونتدرَّبُ ونقفزُ بها آناءَ الليلِ وأطرافَ النَّهارِ .
وكانَ مِسكُ الخِتامِ ، بتولِّي سموّ الأمير عبدالله بن الحسين قيادة القوات الخاصة ، ليصعدَ بها نحو القِمَّةِ ، يرتقي بها إلى العالميةِ والحداثَةِ ، يُطوِّرُ قوَّةً خاصَّةً يُشارُ إليها بِالبَنَانِ ، تَنالُ ثقةَ العالَمِ ، كمركزٍ إقليميٍّ دوليٍّ لتدريب مهاراتِ القوات الخاصة ، في مجال الإقتحام والتدمير ، ومكافحةَ الإرهابِ ، والاستطلاعِ والإنقاذِ والإخلاءِ، ليعكس الرؤيا والرِّسالة ، يُحقِّقُ الأهدافَ كقائِدٍ لا يتبعُ الرَّكبَ ، بل يسبق الرَّكب ، وبَنَى قلعةَ الأسودِ وكعبة المجدِ والخلودِ .