قامة تربوية و قائد تربوي ما فوق الرفيع ممن يوصفون بالدقة الفائقة في توظيف الوقت و الجهد و الإخلاص في عمله في تربية الأجيال و قيادة العملية التعليمية ، اتسمت سيرته التربوية بالتميز والمثابرة ، فقد كان مخلصا لمهنته لدرجة كبيرة جدا، حيث تتلمذ على يديه الكثير من القيادات و القامات الإجتماعية التي نشاهدها في وقتنا الحاضر تترأس مؤسسات الوطن الحكومية و الخاصة ، لا سيما أنه من قيادات الرعيل الأول القديم من مواليد (١٩٥١) الحاصلين على الدرجة الخاصة ممن أمضوا فترة طويلة في قطاع التربية و التعليم تجاوزت ( ٣٤ ) عاما قبل أن يحال إلى التقاعد عام ( ٢٠٠٩ ) ، بعد مسيرة عطاء زاخرة بالإنجازات التربوية و المجتمعية، خاصة أنه من أوائل الحاصلين على أعلى المعدلات دراسياً ، فقد حصل على المركز الأول في الفرع الأدبي عام (١٩٧١) بمعدل (٨١،٦) ، علاوة على تميزه وتفوقه في دراسته الجامعية ، فهو قدوة يحتذى في الإخلاص و التفاني في العمل و تربية الأجيال .
يصنفه البعض كأحد أبرز مدراء المدارس على مستوى محافظة الطفيلة ممن يجيدون توظيف العلاقة ما بين المدرسة و المجتمع في إقامة اللقاءات و الإجتماعات و الفعاليات و المهرجانات و دعوته لأولياء الطلبة و المسؤولين في منطقته لحضور الفعاليات التي تتضمن على فقرات تكريم للطلبة المتفوقين و تعزيزهم ممن تحصلوا على تفوق دراسي ؛ بهدف إثارة الدافعية لدى طلاب المدرسة الآخرين، و تقوية آواصر التعاون والمحبة بين المجتمع و المدرسة ، حيث يؤمن بفكرة مدرسة المجتمع ، وصف بالمدير الدقيق جدا في تعامله مع معلمي و طلبة المدرسة ، لمست تلك الدقة عند كتابتي لسيرته المتضمنة لتفاصيل التواريخ الدقيقة المتعلقة باستلامه للمدارس و ذكره لمن عاصرهم من مدراء تربية وتعليم و مدراء مدارس، حيث كانت كتابته منظمة و دقيقة ، فيما أنه كان يشارك في إصلاح ذات البين داخل عشيرته الواحدة و يحل كل عقدة مستعصاة حلها و يطالب دائما بالتخفيف و التسهيل على الناس .
أعتبره البعض أحد رؤساء الأقسام ممن يحملون الدرجة الخاصة الذين تعرضوا للظلم و عدم الإنصاف ، حيث لم يستلم منصب مدير تربية أو مدير إداري أو فني لأسباب غير معروفة ، حيث التزم الصمت عند سؤالي عن ذلك إلا أنه أردف بكلماتٍ أليمة قائلا: "أن من كان معه من الرعيل القديم ممن يحملون الدرجة الخاصة قد تعرضوا للظلم بعد قرار وزارة التربية و التعليم القاضي بإحالتهم على التقاعد قبل الهيكلة بفترة وجيزة ، حيث لا يخفي الأستاذ أبو باسل غضبه على ذلك القرار ؛ كونه لم يُنصف ممن يحملون الدرجة الخاصة الذين تضرروا كثيرا عند التقاعد مقارنة مع أقرانهم ممن تقاعد بعدهم بفترة قليلة ، كما أشار أيضا أن القرار أضرَّ في الذين تقاعدوا قبل ذلك القرار من متقاعدي التربية و التعليم القدامى أصحاب الرواتب المتدنية .
كان أطال الله في عمره مديرا نشيطا في المجتمع المحلي، يفعل النشاطات اللامنهجية ، و يقوم بإقامة المناسبات و الإحتفالات في مدرسته و يدعو لها أولياء الأمور و المجتمع المحلي و المسؤولين ، حيث كانت تتضمن تكريم الطلبة الأوائل و المتفوقين في الجوانب الإبداعية الأخرى، و توزيع الهدايا و الجوائز و الدروع على مستحقيها بحيث جعل المدرسة حلقة وصل ما بين المجتمع و المسؤولين ، مما زاد في اثراء العملية التعليمية والتدريسية في مدرسته .
يسجل للأستاذ الفاضل أبي باسل مواقف مشرفة خلال عمله مديرا في قطاع التربية والتعليم ، يقال أنه عندما كان مديرا لمدرسة القادسية الثانوية للبنين ، قام باستضافة عدد من طالبات مدرسة غرندل، حيث كنَّ في رحلة مدرسية إلى مدينة العقبة ، و كان الفصل شتاءً حيث تقطعت السبل في الطالبات في بلدة القادسية بسبب إغلاق الطرق لتراكم الثلوج و هبوب عاصفة ثلجية قوية في ذلك الوقت ، حيث بقيت الطالبات في منزله مدة أسبوع إلى أن تم تأمينهن إلى منازلهن في بلدة غرندل بواسطة وسائط نقل عسكرية .
كما يروي لنا البعض، بأنه عندما كان الأستاذ فرحان مديرا لمدرسة غرندل الثانوية للبنين تعرضت بلدة غرندل و محافظة الطفيلة و جنوب الأردن إلى أمطار رعدية غزيرة، حيث كان بعض السكان من بلدة الجرف قد خرجوا إلى الربيع بمواشيهم ، و كان يسكنون بيوت الشعر بالقرب من غرندل و قد تم التنسيق مع إدارتي التربية و الدفاع المدني بفتح مدرسة غرندل الثانوية لإيواء الطالبات و البنات لاولئك الذين يسكنون بيوت الشعر في مدرسة غرندل الثانوية للبنين ؛ و لكون المدرسة لا يوجد فيها وسائل تدفئة ولا أسرة للمبيت ، فقد قام الأستاذ أبو باسل باستضافة الطالبات في بيته لمدة( ٥ ) أيام بالتشارك مع شقيقه الأستاذ حمد عبدالكريم الزيدانيين - رحمه الله- والأستاذ احمد علي مسيعد إلى أن تم تأمينهن إلى أهاليهن الساكنين شرقي بلدة غرندل في منطقة أسمها( الدّبة ) بالتعاون مع متصرف لواء بصيرا .
عندما كان مديرا لمدرسة ضانا قام مع المعلمين و الطلاب برصف طريق من الحجارة من الشارع المعبد إلى المدرسة، و ذلك لتلافي الطين في فصل الشتاء ، حيث كان الأستاذ أبو باسل و من معه جميعا يسكنون في القرية ، لعدم توفر المواصلات، حيث يقومون بعد إنتهاء الدوام بممارسة كرة القدم مع الأهالي و نذكر منهم احمد عليان الخوالدة أبو عماد - رحمه الله - و قبل ذلك كان يذهب إلى مدرسته ذهابا و إيابا سيرا على الأقدام .
امتازت شخصيته بتقديره لزملائه الذين عاصرهم من الرعيل القديم و إلمامه بأدب الحوار و النقاش مع الذين يراجعون مكتبه في مدرسته ، فقد أمتلك شخصية هادئة على مستوى عال من الأدب الجمٌ و العلم الغزير جعلته يكون من الذين استطاعوا إثبات قدرتهم على إنتاج قيادات على مختلف الميادين تقود مؤسسات الدولة الأردنية و خاصة العملية التعليمية بكل جدارة و استحقاق .
كان زاهداً ، ودوداً ، وسطيا ، يتمتع بخصال و مزايا حميدة، جلّها الإيمان ،و دماثة الخلق ،و حسن المعشر، و طيبة القلب، متميزًا بالتواضع الذي زاده احترامًا و تقديرًا و محبة الناس و الطلاب ، و كل من عرفه والتقى به .
سيرته الدراسية و التعليمية
المرحلة الإبتدائية وكانت موزعة كالآتي :
١- درس الصف الأول الإبتدائي في مدرسة بصيرا عام (١٩٥٩)
٢- من الصف الثاني الإبتدائي و حتى الصف السادس في مدرسة غرندل أعوام ١٩٦١/١٩٦٠ و حتى عام ١٩٦٥/١٩٦٤ و كان مدير المدرسة في ذلك الوقت الراحل موسى شحادة الحنفيات رحمه الله .
المرحلة الإعدادية
١- من الصف الأول الإعدادي وحتى الصف الثالث الإعدادي مدرسة بصيرا الإعدادية للبنين من ١٩٦٦/١٩٦٥ حتى عام ١٩٦٨ حيث تقدم في نفس العام لإمتحان المترك و نجح .
المرحلة الثانوية
درس في مدرسة الطفيلة الثانوية للبنين من عام ١٩٦٩ - ١٩٧١ و كان مديرها الأستاذ الراحل فؤاد العوران رحمه الله ، حيث تقدم لإمتحان الثانوية العامة عام (١٩٧١) و حصل على الدرجة الأولى في الفرع الأدبي بمعدل (٨١،٦) .
حصل على بعثة للدراسة في الجامعة الأردنية عام (١٩٧١) ودرس لغة عربية/ تربية في عام ( ١٩٧٥) تخرج من الجامعة الأردنية و كان رئيسها آنذاك دولة الدكتور عبدالسلام المجالي .
في ١٩٧٥/٩/٧ تم تعيينه مباشرة مديرا لمدرسة ضانا ، حيث استلم الإدارة من الراحل إبراهيم أحمد العواجي -رحمه الله- حيث بقي في المدرسة لمدة عامين حتى ١٩٧٧/١٩٧٦ ، بعدها انتقل مديرا إلى مدرسة بئر العطاعطة الإعدادية التي تسمى الآن باسم مدرسة القادسية الثانوية للبنين وخدم فيها خمس سنوات من عام ١٩٧٨/١٩٧٧ و حتى عام ١٩٨٢/١٩٨١ .
بعدها انتقل إلى مدرسة إبن تيمية الإبتدائية مديرا و خدم فيها سنتان من عام ١٩٨٣/١٩٨٢ و حتى عام ١٩٨٣ /١٩٨٤ و قد استلم الإدارة من الراحل جميل الزنانين رحمه الله .
في ١٩٨٤/٨/٢٣ تمت أعارته مدرسا إلى السعودية في منطقة حائل التعليمية مدرسة جابر بن حيان المتوسطة في بلدة أسمها ( الشيحة ) وبقي فيها خمس سنوات حتى تاريخ ١٩٨٩/٩/١٤ بعدها رجع إلى الطفيلة مديرا لمدرسة عيمة الثانوية للبنين حيث استلم الإدارة من الراحل محمد العبد عواد - رحمه الله - حيث خدم فيها سنتان إلى عام (١٩٩١) .
بعدها انتقل مديرا إلى مدرسة غرندل الثانوية للبنين ، حيث أمضى فيها فترة طويلة( ١٤ )عاما من عام ١٩٩٢/١٩٩١ و حتى عام ٢٠٠٥/٩/٢٧ حيث استلم الإدارة فيها من الأستاذ عبدالمعطي خليل الرفوع رحمه الله .
انتقل بعدها إلى قسم الإمتحانات في مديرية التربية والتعليم في الطفيلة عضوا من تاريخ ٢٠٠٥/٩/٢٧ و لغاية ٢٠٠٦/٢/٢١ م
بعدها انتقل إلى قسم التعليم الخاص في المديرية رئيسا من ٢٠٠٦/٢/٢١ و حتى ٢٠٠٩/١١/١ ، حيث تمت إحالته على التقاعد بعد خدمة ( ٣٤ ) عاما مجمل خدمته في المدارس الأساسية و الثانوية والتعليم الخاص و الإمتحانات و معلم معار .
لفت الأنظار في إقامة المخيمات الكشفية رغم الظروف الصعبة المتعلقة بالتنظيم في ذلك الزمن و غياب الوسائل و الأدوات عكس ما عليه الآن من توفر بنية تحتية و أدوات ودعم لوجستي و مادي و مؤسسي ، فقد أقام مخيما كشفيا في منطقة البرة عندما كان مديرا لمدرسة القادسية الثانوية ،حيث قام بدعوة الأستاذ الراحل فؤاد العوران - رحمه الله - مدير التربية والتعليم في الطفيلة لحضور فعاليات المخيم، كما دعا متصرف الطفيلة حينها صالح المدادحة و السيد بكر حمزة المدني - رحمه الله- و كان حينها مديرا لناحية بصيرا .
كما أقام مخيما كشفيا آخر عندما كان مديرا لمدرسة غرندل الثانوية في منطقة(اللحظة) حيث تم افتتاحه من قبل أحد أولياء الأمور السيد محمد غانم السعودي - رحمه الله - والد معالي الوزير الأسبق للتربية و التعليم الدكتور فايز السعودي وغيرها من المخيمات الكشفية .
كان عضوا في رابطة عشيرة عيال عبد /الزيدانيين لمدة ( ٧ ) سنوات إلى أن قدم استقالته بسبب المرض، و كان من أبرز مهامها تقديم المساعدات العينية و النقدية للأسر المحتاجة و مشاركة أبناء العشيرة الأفراح و الأتراح .
شارك في عدة دورات و برامج من أبرزها : برنامج الإدارة العليا المنعقدة في مدينة الكرك و كان مجموع الساعات التدريبية مائة ساعة ، كما شارك في التعداد العام للمساكن و السكان في الأردن عام (١٩٧٩) مراقبا و ذلك خلال الفترة من ١- ٩ و حتى ٢٣ -١١ /١٩٧٩ و رئيسا للجنة التعداد للثروة الحيوانية في الأردن .
لله درك ، يا "أبو باسل " ! فنعم الرجل أنت و نعم القيادي أنت و المدير المحب لمهنته، فهو مرجعية لمعلمي المدارس في كل رقعة كان فيها مديرا ؛ لخبرته الواسعة التي تزخر بالمعرفة والثقافة في المجال التعليمي ، و الإجتماعي ، فهو الأب التربوي للطلاب و الأب القدوة للمعلمين ، حيث ينظر له كالأب في المدرسة ، لما يتمتع به من خبرة غنية في المجالين التربوي والإجتماعي .
تتلمذ على يديه آلاف الطلبة الذين أصبحوا يعملون في قطاعات شتى من مسؤولين و معلمين و قيادات وظيفية ، فقد اتصف بأنه صارم في الحق لين في المعاملة ، كما اتصف بالكرم ، حيث أمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع طلبته ومجتمعه لا يضيع الحق عنده ، علاوة على أنه من المواظبين على أداء العبادات في المسجد و قراءة القرآن الكريم .
كان ملتزما بعمله على نحو دقيق ، فقد كان (أبو باسل) لا يحب مغادره الدوام إلا بعد إنتهائه ، فقد كان يقوم بعمله على أتم وجه كما كان ينضبط بالتعليمات التربوية المنظمة للعلاقات الرباعية المتشابكة بين الطالب و المعلم ، و المدرسة و المجتمع .
كان يقوم بعمله بكل جدارة و اقتدار متحملاً مشاق التعب في إدارة مدارس الطفيلة في ظل ظروف صعبة تحتاج للصبر وحسن التعامل مع متطلبات العملية التعليمية .
أثبت مهنيته و براعته في متابعة هموم و مشاكل المعلمين ، بالرغم من ضغوط العمل الكبيرة ، و كان يسعى نحو الإنجاز في العمل و حسن الإدارة التربوية ، فقد اتصف بالإخلاص و مخافة الله في السر و العلن .
سنقف لك و ستذكرك محافظتك و قطاع التربية و مجتمعك في لواء بصيرا ، الذين يفتخرون بك، و يقفون اليوم و غداً عرفانًا و إجلالاً لجهودك المخلصة في إدارة المدارس التي أشرفت عليها ، و ستبقى جهودك المميزة التي بذلت خلال فترة عملك في وزارة التربية والتعليم شاهدة على إنجازات قامة تربوية و رجل من رجالات البلد في بصيرا و الطفيلة .
و أخيرا ، ندعو الله تعالى أن يلبس أبا باسل الصحة و العافية ، و أن يبارك الله في عمره ، و أن يديم عليه و على أبنائه و أهل بيته الخيرات و المسرات ، و أن يزيده الله تعالى حكمة و بصيرة ، و أن يحفظ أبنائه ، و أن يجزيه الله خير الجزاء على ما قدم به من إنجازات حافلة بالعطاء التي سوف يذكرها الأجيال كمثال على الأب و القائد و المربي صاحب الخلق الرفيع المخلص الوفي .