نقرأُ في التاريخِ فتحَ بلادِ الشامِ والعراقِ ومصرَ وفلسطينَ ، نُحللُ خروجَ أميرِ المؤمنينَ ، البدويُّ المؤمنُ ، يرتدي ثوباً رثّاً وعباءةً تالفة ، يسيرُ في موكبٍ مهيبٍ ، من المدينةِ المنورةِ إلى القدسِ ، أعظمُ موكبٍ في التاريخِ ، يتألفُ من دابَّةٍ وغُلام ، وحماية اللهِ ، (عَدَلتَ فأَمِنتَ فَنِمتَ) .
كانَ فتحُ القدسِ حدثاً مثيراً ، عملاً فريداً ، خاصَّةً تناوب أمير المؤمنينَ وخادمه على ركوبِ الدَّابَّةِ ، في مظهرٍ من مظاهرِ العدالَةِ ، التي حَكَمَتْ عهدَ الخلفاء الراشدين ، دَخَلَ الغُلامُ راكباً وأميرُ المؤمنينَ يمشي على قدميهِ ، ولمّا وصلوا ، نَظَرَ (صفرونيوس) إلى عمرَ وثوبِهِ وهو يقودُ الدابة لغلامِهِ ، فسلَّمَهُ مفاتيحَ القدسِ ، وقال له : أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كِتَابِنا ، يدخُلُ ماشياً وغلامه راكباً ، وفي ثوبِهِ سبعةَ عشرة رقعةً ، فكتبَ لهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (العهدةَ العمريَّة) أعظمُ وثيقةٍ في التاريخِ ، تُحَقِّقُ عدالة حريّة الأديان.
موازين القوى في ذلك الزمانِ ، لم تَكُن للفرسِ ولا للروم ، بل كانت للقطبِ الأوحد عمر بن الخطاب صاحب الثوب المرقع الذي يحكم العالم ، انتصر في كلّ المعارك التي خاضها ، انتصر في معركة القادسية ، وانتصر في معركة طبقة فحل ، وانتصر في معركة اليرموك ، فدانت له الدنيا ، إنّه العصرُ الذهبيُّ للدولةِ العربيةِ الإسلاميةِ .
لِمَن تشتكي حبةُ القمحِ الفلسطينيةِ إذا كانَ القاضي صهيونياً ، جرحُ القدسِ سيبقى نازفاً إلى أن يأتِيَ وعدُ الآخِرَةِ (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُداوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ، أُمَّةُ العَرَبِ والإسلامِ اليومَ لا تَسرُّ صديقاً ولا تغيظُ عدوَّاً ، في درجةٍ من الوهَنِ والضعفِ ، موازين القوى لصالح الطرف الآخر ، بأيديهم مفاتيحُ المالِ و السلطةِ في العالمِ ، يسلقونَ من يقف أمامهم بألسنةٍ حِدادٍ ، إفسادٌ في الأرضِ وعلوٌّ إلى حينٍ ، أطلقوا النارَ على حلِّ الدولتينِ ، ماتَ شهيداً ، دُفِنَ في مقابرِ القدسِ الشرقيَّةِ ، وهذا تهديدٌ وجوديٌّ للأردنِّ ، سلبوا سيادةَ وقرار كثيرٍ من الدولِ العظمى والصغرى ، أصبحت رهنَ إشارَتِهِم ، تأكلُ معَ الذئبِ وتبكي معَ الرَّاعي .