هذا الصباح أغتيل نورنا وعريت عدالتنا ولعنت الرحمة فيهم لم تحمي السترة قلب شيرين الممتلىء بتفاصيل الحرب والاشتبكات ولا الخوذة رأسها المنهك بجسور وروابط التغطيات الحية فالقاتل مترصد متعمد والمهنية تقتضي العمل والصورة التي اتضحت اليوم قانية لا تعرف سوى مبادىء وأبجديات الحق والنزاهة الموضوعية والشفافية وتدرك وتضع في وجدانها وحواسها أن الجبن والتقهقر ينقص القدر المهني ويقف حاجزا ومانعا دون التميز والإبداع وحب السلطة الرابعة ولا يليق بمن يمتهن ويعشق صاحبة الجلالة .
عشرين عاما قضتها شيرين في العمل الصحفي والإعلامي متنقلة ومستقلة الطرق الوعرة وحواجز الجنود وإرهابهم والمبيت في المستشفيات وعلى موعد كل ليلة مع ظل الموت ومع القتلى الشهداء وعائلاتهم وبمواجهة شجاعة وباسقة مع الاحتلال وجرائمه . لم تغير ولم تبدل حالا وواقعا لقضية وطنها التي آمنت بها واعتنقتها وكانت مادتها الأولى واليومية وأرشيفها الأكبر والأوسع ، لكنها وحدت صفا عالميا وصوتا يجمع أن جرائم اليهود تزداد وأنهم لا يعرفون للمبدأ والمهنة والاتفاق دربا وأداة فكل جريمة ضد أبطال الكلمة وفرسان الحق ومجاهديها نكراء بشعة مخزية وأن الجبن سلط عليهم يرون الصوت المدوي والكاميرا عدو يبطش ببشاعة فعلهم وصنعهم ويلاحق دسائس انعدام انسانيتهم .
شيرين أبو عاقلة لم تكن كعادتها منذ الفجر في الطريق إلى جنين وإن كنا في أشد حالات الحزن لوفاتها وإن صلى العالم لأجلها وكان طقسها كئيبا حارا واجتمعت كل تناقضات الكون ونهايتها بكاؤها في جنين وكانت شيرين ذاتها في قلبها وجنين تسكن قلب شرين رغم أن التغطية توقفت والصورة لم تتضح بل عنونها الكبرياء والمجد والشرف والكرامة لشيرين وزملائها وهامشها الخزي والعار والذل لمن قتل الحق ويعبث فيه .
وأخيرا الموت الذي لحق باليرموكية شيرين أبو عاقلة وكفاحها الذي دام للحق ومن أجل الحقيقة استهدف كل منابت الضمير فينا بل قتل جماعي لنا كإعلام وانسانية وأصحاب قضية وعالم بأسره وقع على أهم سيمفونيات الاعلام الفلسطيني ليؤكد أن الصحافة ليست فقط مهنة المتاعب بل مهنة اللاحماية وتكشف الغطاء عن وجه الحقيقة بعدم جدية العقوبات ضد الجرائم التي تلحق بالصحفيين من قتل واعتقال وتعذيب وأن الإعلاميين محرومون من حقوق تأمينهم ورعايتهم ولا تفجع أسرهم في كل وجهات الحرب والنزاع والاشتباكات والتغطيات بل جعلهم الطوق الذي يسبق رصاصات الجميع .
الرحمة والنور لابنة اليرموك وقسم اعلامها الأول في الوطن شيرين أبو عاقلة .