هناك فرق بين الخيال القريب من الحقيقة ؛ وبين الحقيقة ذاتها ..الخيال يحمل في طيّاته التيه و المعطيات الخطأ..يبروز لك ما تريده أنت أو يريده هو لك ..أما الحقيقة فتبقى حقيقة ..مهما اختلفنا في حلاوتها أو مرارتها فهي حقيقة ..مهما استسلمنا لها أو قاومناها فهي الحقيقة ..!
ونحن لا نتعامل مع وطنٍ بحجم الأردن بالخيال حتى لو كان قريباً من الحقيقة ..بل نتعامل معه وطناً صانعاً لتفاصيلنا ؛ يوجعنا و نوجعه ..يعطينا و نعطيه ..نبكي على صدره و يبكي من عقوقنا له ..إنه الأردن ..الذي نحبه ولا نسأل لماذا نحبه لأنني لا اسأل أولادي لماذا تحبونني فهذا تحصيل حاصل ..ومن مقوّمات الحب (الخوف على ما تحبّ ) ..لذا ؛ نحبّه و نخاف عليه ..وعندما يكون قلقاً فإننا نشعر بالجعلكة طوال القلق..!
عشنا طوال العمر ونحن نحبّ هذا الوطن الساكن فينا ليس لأننا نسكن فيه ..بل لأنه كلّ مالنا ..هو البدايةُ و النهاية و إن تعددت المشارب و المآكل والمآلات ..نحبه لأنه أمسنا و يومنا و غدنا ..لأنه مصيرنا ولأنه يعرف كيف يجعلنا نحبه ..وكل يوم تكبر حكايتنا معه ..ويكبر الحب ومعه يكبر القلق و يكبر الخوف عليه ..!
وإن كان وطنك هو الذي يحتويك ..ففي الأردن نحن نحتويه ..ونعامله كأنه طفلنا الذي في الشارع حين يذهب و (تندكم) إصبع رجله ..فنهبّ كأن القيامة قد قامت ..تنشلع قلوبنا لأنه (قد يقول الآه) ..نتعب حين يئنّ وحين نبحث عنه ولا نجده وإذ به في (الدكانة) يشتري الشيبس و الآندومي..!
خوفنا هو بحجم حبنا ..ونحن مجانين في الحبّ ..اسألوا الصحراء عنّا ..لا نقبل في الحبّ الحلول الوسط ..ولا نقبل الأعذار و الإهذار ..ولا نسكت حين نرى نسمةً بريئة تجرح خده بالغلط ؛ فكيف إذا تطاول عليه خفّاش أو حاول أن (يخبِّث خاطره) أزعرٌ بأي لباسٍ كان ..؟!
قلوبنا لن تهدأ ..وهديرها شغّال..سنحمي هذا الوطن ..وسنقتصّ من كل من يحاول أن يسرق منه (حبّة علكة) أو يتطاول على رمش واحد من رموش عينيه ..