تركي حديثة عريق الاسم والنسب نقي السيرة والسريرة الشيخ الأنيق الرقيق في احاسيسه ومشاعره الراقية، البدوي الأصيل والسفير النبيل الذي مارس الدبلوماسية المحترفة دون أن يغادر تقاليد الموقر وثوابت الوطن، شيخ جليل وظل ظليل لكل المشاعر الوطنية، إذا أدرك حواف الصحراء ترى فيه البدوي الخشن العنيد الصابر وإذا جلس إلى أهل السياسة والاقتصاد يغالبك الظن أنك في حضرة أحد نبلاء أوروبا صمتاً ورقياً وهدوءاً وحسن استماع.
تركي حديثة ابن العائلة التي حفظت للوطن قدسيته وللتراب انتماؤه وللقيادة الهاشمية وفاؤها وولاؤها الذي لا يلين وعزمها الذي لا يهون. أدرك النعمة فحفظها والمشقّة فتحملها وكان خير رسول للوطن في بلاد الخليج وأعز سفير للقائد عند أشقاء أكرموا وفادته وأحسنوا تقدير رسالته، فكان العفيف اللطيف دون إسفاف أو إسراف، فعاش حرّاً ورحل عن هذه الدنيا رجلاً عزيزاً واباً حانياً لأسرة زرع فيها قيم التميز والوفاء.
ميزة الشيخ تركي الخريشا أنه جمع بين الأصالة والمعاصرة والدهاء والوفاء والعناد والرقة، ولم يغادر مساحات القيم والثوابت مهما بلغت المغريات وعظمت الصعاب، وما أبعدته المدنية عن بيت الشعر، وحداء الرعاة، وصهيل الخيل الذي رافق تاريخ آبائه وأجداده العابق بالعراقة والغارق بقيم الأصالة والشجاعة وإغاثة الملهوف وإصلاح ذات البين؛ فكان من قوم تشتعل عيونهم لهيباً "حمر النواظر" ذخيرة الوطن وذخره الكبير.
كتبت عن الشيخ "ابا خالد" لأني احترم تاريخ هذه الأسرة وتضحياتها ونبلها وقيمها الناجزة؛ كتبت لأني أعرف تفاصيل سيرتهم ومسيرتهم في الأردن وفلسطين، في البوادي والقرى والمخيمات، وكم اغاثوا مستجير وحفظوا دماء كادت ان تسيل، وكان الشيخ تركي يحفظ للوطن مصالحه من زوايا أخرى، علي ونايف ونواف وجمال ومجحم وتركي وحاكم منهم من قضى نحبه شريفاً كبيراً ومنهم ما زال يخدم الوطن والناس بشرف وتفانٍ حتى أضحى الشرف ملازماً لأفعالهم وسجاياهم وتاريخهم المجيد.
رحل الشيخ الجليل وقلوبنا تلهج بالدعاء له بالرحمة، ومشاعرنا تشارك أسرته واشقاؤه وذويه الحزن؛ فمن يعرف هؤلاء القوم يحزن حزنهم ويحس بالفقد معهم لأنهم قوم كبار كرام، عرفناهم فشرفنا بهم وعرفونا فقصّرنا بواجبهم، وبحنا لهم بكلمات هي جهد المقل، فرحم الله أبا خالد وغفر له وأكرم نزله وحفظ ذويه، وأحسن عزاءهم، اللهم آمين.