خلف الحقيقة تكمن دوافع وأسرار وقصص وحكايات، منها ما يكون مؤثرا، ومنها ما يكون عابراً، ومنها ما يكون غير مفهوماً، وللبيوت أسرار، وقلوب الرجال صناديق مفاتيحها الكلام، وفي المواقف الصعبة، يمثاز العقلاء من الرجال عن أصحاب القيل والقال، والمرء مخبوء تحت لسانه.
رجال أمننا يضربون الأمثلة في كل يوم على الشهامة والمروءة، لديهم الكثير ليقال، لكنهم يختارون الاحتفاظ بأركان الحقيقة التي أتيحت لهم بحكم عملهم، رافضين الانجرار لساحات الثرثرة والإثارة التي يبحث عنها الكثيرون.
ولعل الضغط الذي وقع على مديرية الأمن العام بشكل عام، وعلى مسؤوليها، والعاملين في التحقيق، خلال قضية مقتل الطالبة إيمان، كان ضغطاً كبيرا، وكفيلاً بأن يربك حتى العقلاء، إلا أن الحرفية الكبيرة ورباطة الجأش التي أظهرتها هذه الكوادر كانت كفيلة بضمان استمرارهم في عملهم بتركيز عالي، سواء في هذه القضية أو في مئات القضايا التي يعملون بها يومياً.
خلال الاسبوع الماضي قدم الأمن العام أداء حرفياً في المجال الجنائي والتحقيقي، كما قدموا دروساً في الثبات بالقول والفعل، ولعلنا كمتابعين كنا نميل لسماع قصة مثيرة، وتفاصيل تغذي خيالاتنا، في فطرة إنسانية جعلت من الروايات البوليسية الأكثر مبيعا في العالم، وكذلك أفلام الجرائم وبرامجها، إنما ليس ذلك هو الحال مع العاملين في مديرية الأمن العام.
وعلى سبيل المثال، تتلقى مديرية العمليات والسيطرة في مديرية الأمن العام يومياً ما يزيد عن 20 الف مكالمة في الأوقات الاعتيادية، وفي هذه الالاف من المكالمات نستطيع تتبع قصصاً تروى، وأسراراً، وأحوالاً قد نرغب في سماعها وسبر أغوارها، إلا رجال الأمن ممن يتابعون هذه القضايا وغيرها يربطون على قلوبهم وألسنتهم، ويبقون الأمناء على الحقيقة.
وفي الجانب القيادي، مدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة تابع التحقيق في مقتل الفتاة وغيرها من القضايا، واستقبل مئات الملحوظات، ومرر الأوامر والتعليمات، وتابع شؤون مختلف الوحدات في مديريات الشرطة، وقوات الدرك، والدفاع المدني، منها شؤون جنائية، وإدارية، وعملياتية، ثم كان في محافظة العقبة، وقبلها في عمان، ثم إلى الشمال والجنوب، يتابع الكثير من الأحداث التي لا تتوقف، في عملية قيادية لا تبتعد عنها الحكمة والعقلانية حتى في أوقات الضغط أو حتى الأزمات.
ويمضي الأمن العام من مكان إلى مكان، من جريمة تحدث هنا، إلى مشاجرة تقع هناك، ثم إلى إنقاذ وإسعاف، واتصال واستفسار وشكاوي ومراجعات، وحراسة مواقع، وتامين منشآت، ونشاطات، وخدمات يتلقاها الالاف يومياً، ولا وقت لديهم للجلوس على المقاهي للحديث عن قصص لا هدف لها إلا تناقل أحوال الناس، فلا هم من مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، ولا محبي الظهور على الشاشات للتسلية أو الترفيه وتغذية فضول الآخرين.
ولو تحدثت القضايا ونطقت الملفات لقالت الكثير، ولو اطلعنا على ما يطلع عليه رجال الأمن لتناقلنا أخباراً تقودنا إلى فوضى القيل والقال، وهو الأمر الذي أبقانا بعيدين عنه اتزان رجال أمننا، الذين يتناولون الحقائق بمهنية، وينشغلون بما يهمهم، وينزوون إلى أركان العمل لتتكلم عنهم الأفعال.