كثيرون يعتقدون أن اتقان الطبيخ هو الركيزة الوحيدة في التلذذ بالأكل ..لذا أوجبوا عليك أن تقول : تسلم إيدك لمن تطبخ ..! مع أن غالبية الطبخات عندما تبرد و يطول أجلها يحدث فيها تفاعل كيميائي عجيب غريب ؛ تكسب فيه الطبخة طعماً جديداً ألذّ أو ألزّ ..
فالمنسف البايت ألزّ بكثير ..و المقلوبة البايتة يا عيني عليها ..و الباميا مع البندورة لما تكون شايفة حالها وهي تصحو من النوم ؛تكون في آخر إغراءاتها ..و ..و..الخ .
هنا من الذي يلعب الدور الأساسي في الطبخة ..إنه التسخين ..و التسخين يا سادة ليس مجرد وضع الطبخة على النار قليلاً ..بل هو فنّ قائم بذاته ..فثمة شعرة رفيعة بين تسخين ( الهواة) و تسخين (المحترفين) ..!
انظروا إلى العالم كلّه ..وإلى العرب بالذات ..طبخاتهم جاهزة و بايتة و معتّقة ..لا يوجد لديهم طبخات جديدة ..ويأتي الأمريكي مثلاً و يأخذ من طبخاتهم ما يريد ..ولأنه محترف في التسخين ..فإنه يسخّن لهم طبخة ( سنة شيعة) فيتكالب عليها العرب كالمفاجيع ..و حين يريد زيادة في إطعامهم فإنه يُسخّن لهم طبخة ( مسلم مسيحي) ..وحين يريدهم أن يوغلوا أكثر في التلبك المعوي فإنه يسخّن طبخة (شمالي جنوبي) ..وهلمّ جرا ..!
مشكلتنا أن كل طبخاتنا البايتة موجودة في مطبخ السيد الأمريكي ..وليست في مطبخنا ..نحن من طبخناها وبإتقان ..ولكننا لا نملك حقّ التسخين ..أو لا نملك حق دلق هذه الطبخات في مزبلة التاريخ ..لأن السيد الأمريكي يجوّعنا و يسخّن لنا ما شاء من طبخاتنا ..!!
يا سادة ..قيل قديماً : أقرب طريق إلى قلب الرجل هو معدته ..وهو ما تتقنه أمريكا بطبيخنا نحن ..وها نحن نعيش عصر الطبيخ الدموي الذي كلّما اقترب من التوقّف ؛ قامت أمريكا و قدّمت لنا وجبة جديدة من تسخينها ..ونحن مفجوعون دائماً ..
يا الله ..رُزّك يكفي ..فاجعل العرب يستفرغون ما ببطونهم ...!