بقلم اللواء الركن المتقاعد الدكتور صالح لافي المعايطة
* الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ اكثر من 8 أشهر ورغم استخدام كل أنواع الأسلحة والمعدات والذخائر الدقيقة من كلا الجانبين ، الا انها لم تحسم حتى الآن ولم نجد اي طرف يعلن الانتصار العسكري الحاسم ، ولا حتى الانتصار السياسي والتفاوضي بسبب دخول مستجدات على البيئة العملياتية على المستوى الإقليمي والدولي.
* بعد زيادة الدعم الغربي لأوكرانيا مالا وسلاحا وفرض عقوبات قاصيةعلى روسيا تغيرت موازين القوى على جبهات القتال مما جعل روسيا تفكر بالتلويح بعسكرة الغذاء والطاقة كاسلحة قتال للضغط على أوروبا والتهديد بقطع الغاز عن أوروبا وإيقاف تصدير الحبوب إلى الاسواق الأوروبية والعالمية ، ردا على توجه مجموعة ال G7 بوضع سقف محدد لبيع الغاز الروسي وهذا ما ترفضه روسيا رفضا تاما، انطلاقا من ان سقف الأسعار مربوط بالعرض والطلب في السوق ...ولا تستطيع اي دولة تحديد الأسعار بقرارات سياسية.
* لا زالت بعض الدول الأوروبية تعارض تخفيض سعر الغاز الروسي بسبب حاجتها للغاز الروسي ....وهنا نقول ان الحروب القادمة ستأخذ مسميات جديدة..مثل حروب الموارد وحروب المياة وحروب الغذا والطاقة التي يعيشها العالم...وهذا يتطلب من جميع الدول القيام بالمراجعة للعديد من السياسات والاستراتيحيات والخطط بما يتناسب مع التحديات الجديدة.
* اعتقد ان معظم دول العالم تقف على مفترق طرق من حيث التبعيات والاصطفافات وعلى النحو التالي:
- العديد من الدول تفكر بالاصطفاف الاقتصادي مع الصين من أجل تأمين سلاسل توريد الغذاء ، والاصطفاف التكنولوجي مع الصين أيضا التي في طريقها إلى التفوق الاقتصادي والتكنولوجي على الولايات المتحدة .
- دول أخرى ومنها الدول الأوروبية ستستمر في الاصطفاف عسكريا مع الولايات المتحدة التي تتفوق عسكريا على الصين ( كما ونوعا وانتشارا ) في البر والبحر والجو والفضاء .
- اما روسيا التي تقاتل على جبهات واسعة فهي حتى الآن لم تحقق لا أهدافها السياسية ولا أهدافها الاقتصادية ولا أهدافها العسكرية بسبب الصمود الاوكراني وتواصل الدعم الغربي لأوكرانيا، لهذا نجد روسيا تحاول استغلال ورقتي الغاز والنفط ، وورقتي الحبوب والغذاء للضغط على أوروبا في محاولة لتغيير قواعد اللعبة في منطقة العمليات وتحييد أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى حلف الناتو، وجعل أوكرانيا دولة حبيسة بعد السيطرة على معظم الموانيء الاوكرانية على البحر الأسود وبحر آزوف...كما تحاول روسيا التلويح بالخيار النووي اذا فشلت الحرب التقليدية في الحسم العسكري. ومن هنا يمكننا طرح الأسئلة التالية:
- هل العالم بطريقه إلى نظام دولي متعدد القطبية ببعديه الاقتصادي والعسكري...؟.
- هل هناك نظام دولي ثنائيء القطبية يلوح في الأفق...؟.
- هل الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة ستعيد هندسة العالم جيوسياسيا وامنيا ....واقتصاديا ...؟.
- هل هناك فراغ دولي قادم وحروب في المناطق الرمادية...؟.
- هل هناك جغرافيا جديدة في افريقيا اسمها ( جغرافيا الجوع وجغرافيا العنف....؟.
* كل هذه التحولات قد تقود الى عدم استقرار أوروبا وجنوب ووسط آسيا....ويعض دول افريقيا التي تعتمد كثير على القمح الروسي والاوكراني ، بالإضافة إلى سلاسل التوريد الأخرى.. والتي تؤثر على خطط التنمية في هذه الدول .
* بالمقابل علينا التوقف عند مصطلح عسكرة الغذاء والطاقة والذي سيكون له تداعيات على إعداد ودعم القوات المسلحة في معظم الدول ..فالجيوش الحديثة تحتاج إلى إسناد إداري مستمر من غذاء وتنقل وتسليح وطاقة ...فكل هذه الأمور مرتبطة بمدى توفير الغذاء والطاقة للقوات المسلحة.
* ختاما اقول ان على جميع الدول دراسة وتحليل وتقييم ما يجري في أوكرانيا والوقوف عند الفرص التحديات ، وما أثر ذلك على الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال التحالفات والاستقطابات الجديدة ...