النسيانُ في كثيرٍ من الأحيانِ نعمةٌ إلهية لتجاوزَ مصاعبَ ومآسٍ كثيرة في الحياة، فما أكثرَ ما يتعرض له الإنسان في حياته من هزاتٍ وأمور صعبة وَجَبَ تجاوزَها وضرورةَ استخلاص العبر والتجارب منها.
لكن ما يجب إلا أن ينسى أبداً هو فضل الآخرين علينا، فهذا نكران للجميل وجحود ما بعده جحود، فوجب علينا أن لا ننسى فضل الآخرين علينا ولمساتِهم التي بدونها لما استطعنا أن نصل إلى ما نحن عليه أو أن نكمل المسير. وهذا الفضلُ قد لا يتعدى كلمةٌ في مكانها الصحيح فالكلمة في مكانها قنطار، والفضل قد يكون نصيحة سديدة تُغيّر مجرى حياتنا نحو النجاح والتقدم، عداك عن كون هذا الفضل خدمةً أو دعماً أو إسنادًا بأبعادة المادية أو المعنوية أو الروحية، والتي بدونها لبقينا مكسوري الجناح وكالبطة العرجاء لا نقوى على إكمال المسير.
وخير ما نتذكر به فضلَ الآخرين علينا هو الشكر والإمتنان القلبي، صحيح أن "المعطي المسرور يحبه الله"، ومن يُعطي لا ينتظر مقابلاً أو جزاءً لكنه يُسّر قلبُهُ ويبتهج ويتهلل فوق أي تصور عندما يرى التقدير بكلمات الشكر والإمتنان. وهذا عملياً ما يجب أن يسودَ مجتمعاتِنا، ففضل مجتمعاتنا وأوطاننا علينا كبيراً وما يجب أن نرده عرفاناً وتقديرًا هو وفاؤُنا وإخلاصنا القلبي وأمانتنا في القيام بوجبنا ومسؤولياتنا تجاه ما إئتمنا عليه، فهل نحن من القوم الشاكرين؟!
كذلك ما نقدمُّهُ نحن في حياتنا من عطاء ووفاء وإخلاص وإنجاز وأداء للواجب الإنساني والروحي والمجتمعي والوطني وجبَ أنْ يُقابَل بالتكريم والتقدير لا بالتنكر والجهود، فالإنسان قيمة معنوية تفوق بكثير كل أموال الدنيا وثرواتها، فالتكريم والتقدير ينعكسان إيجابياً على الأجيال والمجتمعات فيشحذَ الهِمَمَ ويرفعَ المعنوياتِ ويدفعَ بإتجاه المزيد من التفاني والخدمةَ المعطاءةَ المضحِّيَة التي لا تنضب أبدًا. هذا ما يدفع بإتجاه تكريم المتميّزين في حياتهم لا بعد مماتهم، فماذا تنفع الورود على القبور إذ مصيرها إلى الذبول، وأما "ورودُ الحياة" فَتُشبعُ النفسَ رائحةَ الرضى والفرح.