تعتبر الديمقراطية إحدى القيم الأساسية للأمم وتسعى الدول لتطبيقها لما تنطوي عليه من مبادئ عليا لخصتها لجنة الأمم المتحدة عام 2002 باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كحرية التعبير عن الرأي والإنضمام إلى الجمعيات والأحزاب السياسية،وإيجاد نظام لتعدد الأحزاب السياسية وإمكانية الوصول إلى السلطة وممارستها في إطار سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وضمان الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة وتهيئة وسائط الإعلام المستقلة الحرة والمتعددة، وتنظيم الانتخابات الدورية النزيهة التي تعبر عن إرادة الشعب وتشركه في الحكم وإدارة الدولة. وبالتأكيد إن طبقت هذه المبادئ الإنسانية السامية ستكون المحصلة نمو شامل متكامل يضمن الحريات في إطار سيادة القانون ولكن هذه هي المبادئ الرئيسية للديمقراطية لا تتناول التفاصيل الكثيرة المنطوية تحت كل مبدأ، وإن تطبيق هذه المبادئ دون تهيئة البيئة المناسبة لها ودون إدارة التفاصيل غالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، ومن هنا كان لا بد لكل دولة تسعى لتطبيق الديمقراطية ومبادءها بالشكل الصحيح العمل بحكمة وذكاء لتهيئة البيئة المناسبة للديمقراطية بما ينسجم مع الأوضاع السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية لهذه الدولة، فتقوم بتهيئة بيئة ديمقراطية تراعي واقع الحال في كل دولة – أو ما يسمى بالديمقراطية الانتقالية. لا تقتصر الديمقراطيات الإنتقالية على الدول الخارجة من النزاعات بل وعلى الدول التي تسعى للانتقال إلى الديمقراطية الكاملة في بيئة غير مهيئة لها ثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا. خلال عملية الديمقراطية الانتقالية يتم صقل النموذج الديمقراطي المناسب للدولة لأن كل دولة بحاجة إلى نموذج ديمقراطي متكامل خاص بها يشمل المبادئ الأساسية للديمقراطية والمبادئ الثانوية المنطوية تحتها بما يناسب مكوناتها وأطيافها.
الدولة الأردنية قطعت أشواط كبيرة في العملية الديمقراطية والسعي مؤخرا لتعددية الأحزاب السياسية خطوة مهمة وكبيرة نحو تهيئة البيئة المناسبة للديمقراطية السياسية، والرهان الأكبر للدولة هو إيجاد أحزاب سياسية فاعلة ذات منظومات فكرية واضحة تمثل التوجهات الفكرية الرئيسية في الأردن، وواجب الأحزاب في المرحلة الراهنة التشخيص الصحيح لموقعنا من العملية الديمقراطية الكاملة والعمل على تهيئة البيئة المناسبة على كل محاورها، وباعتقادي المحور الثقافي يمثل أهم المحاور وأصعبها وأكثرها تأثيرا على دعم العملية الديمقراطية في حال تهيئته بالشكل الصحيح.
العمل الحقيقي على تهيئة البيئة الديمقراطية لا يحتمل المزيد من العبارات المنمقة والشعارات المكررة لمحاربة البطالة وتوفير فرص العمل وما إلى ذلك، بل بحاجة إلى المقترحات والسعي إلى تطبيقها، المسار الأنجع للعمل الحزبي هو: ابتكار الحلول – اقتراحها – إثبات أثرها الإيجابي – السعي لتطبيقها بالأطر القانونية.