أعجبني شعار منتدى الفحيص الثقافي بكلماته المنتقاة بعناية والقائلة " إما أن تكتب شيئاً يستحق القراءة .. وإما أن تعمل شيئاً يستحق الكتابة". وأهمية هذا الشعار أنه يلفت أنظارنا أن نميّز بين الغث والسمين، بين ما يفيد وما هو مجرد صف كلمات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فكثيرون يمتلكون فن الخطابة والكلام ولكن من غير مضمون ومن غير جوهر ومن غير رسالة يستفيد منها الناس، فيكون كلامهم مضيعة للوقت واستسفافاً للعقول واستنزافا للجهد.
وللنهوض بواقعنا وواقع مجتمعاتنا المشرقية لا بد أن نستعيدَ أهمية معنى كلمة إستحقاق، ما يستحق وما لا يستحق. "فكل الأمور قد تجوز لكن ليس كل الأمور توافق"، توافق ماذا؟ توافق الفكر الصحيح والسليم والقادر أن يعالج الإختلالات والتشوهات والعيوب التي تطورت مع الزمن.
فالحالة البشرية ليست حالة منزّهة أو معصومة، وتحتاج على الدوام إلى مراجعة وتقييم وتصحيح مسار إن تطلب الأمر والبناء على تراكم الإنجازات التي تحققت لدفع مسيرة التنمية والنهضة إلى الأمام . فعندما يتناول الإنسان القلمَ للكتابة عليه أن يتفكر مليَّاً بما يكتُبه لكي لا يذهب حبرُ قلمهِ هباءً منثوراً، بل أنْ تخُّطَ يداه ما يستحقُ أن يُقرأ وما يأتي بالنفع والفائدة على القارئ وما يعمل على تحسين الفكر وتطويره وتصحيحه إن تطلب الأمر. بمثل هذه الكتابة يتغذى العقل وينمو وتزداد ثقافته وفكره. ولربما إحدى أزماتنا في العالم العربي هي أزمة فكر وثقافة وتحليل نقدي بنّاء يهدف لتحقيق المصلحة العامة والخير العام، وواضح أن كثير من مشاكلنا المجتمعية والأخلاقية هي نتيجة أزمة فكر وثقافة وتعصّب أعمى.
والأمر الثاني الهام من شعار المنتدى هو كتابة ما يستحق ذكرُه، وهذا يضع المسؤولية على عاتق المثقفين والكتّاب والعلماء بأنْ يُدوّنوا كلَّ عملٍ يستحقُ أن يُذكرَ وأنْ يُخلّد، فمَا مَن أمةٍ نَهضَت إلا وفي جُعبتها الآلاف المؤلفة من المخطوطات والكتب التي توثق وتؤرشف ما يستحق الوقوف عنده والتفكر به والإستفادة منه لإكمال المسيرة والنهضوض بها وليس عرقلتها.
فما أحْرَانا أنْ نكونَ قادرين على التمييز بين ما يستحق وما لا يستحق، فغيرنا سيقررُ مَصيرَنا إن لم نقرره نحن بما يتماشى مع بيئتنا وثقافتنا وروحانيتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة.