انها كلمةٌ ثقيلة ولا يحملها إلا من ربط قلبة على الإيمان، والقدرة على تجاوز العقبات والمخاوف واليقين بأن الضرر والمنفعة بيد الله وحده سبحانه وتعالى، حيث قالها أميرُ المؤمنين الامامُ علي وما زلنا نذكرها ليومنا هذا، أنّ طريقَ الحقِّ موحِشٌ ومظلم ومخيف، و أن سالكي هذا الطريق هم قلة من البشر، وليس لهم أنصار ومصفقين، بل إن سالك هذا الطريق، لا يترك له الحقُّ صاحبا ولا مقربا .
ونحن لا زلنا نتساءل، هل ترك الحق صاحبا أو مقربا بالطبع لا، بل إنهم قلة ممن ساروا على هذا الطريق، وهم يمثلون أروع نماذج الإخلاص لله تعالى، الذين يبذلون الغالي والنفيس لكي يرفعوا كلمة الحق عاليا بضل المخاوف الموجودة، وبضل الخسائر التي يخسرها في هذه الحياة الفانية لكن الفوز محقق مهما طالت المدة، ومهما كثرت التحديات والصعاب .
يكمن الحقُّ في القيمِ الراسخة من خلال التربية، فالآباء لهم الجزء الأكبر من تصحيح سلوك أبناءهم في المراحل الأولى من حياتهم، فالتعلم لايأتي من التعليمات والارشادات بل إن التعلم يأتي بالمشاهدة وتخزين الخبرات، من خلال النماذج الحية التي أمامهم وتأتي أيضا الخبرات من خلال عكس التعليمات من خلال التصرفات، فمثلا يطلب الأب من ابنه قول الحقيقة وعدم الكذب وهو نفسة في موقف آخر يقول إذا طرق أحدهم الباب قول له أبي غير موجود فهذه التناقضات تجعل الطفل يكتسب خبره متناقضة فهذا السلوك يدمر الطفل ويجعل أغلب تصرفاته عشوائية.
فإن ممارسة الإرهاب الفكري على الفرد في الأسره وقمعه وتغييب حرية التعبير عن الرأي في تعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض يؤدي الى غرس وترسيخ قيم وأفكار غير صحيحة، تجعل الفرد يميل نحو الكذب في المواقف التي تتطلب منه قول الحقيقة خوفا من المساءلة أو العقاب.
وهذه المسألة مرتبطة بشكل مباشر بالجرأة على قول كلمة الحق في حياة الفرد العملية والإجتماعية لاحقا، وهذه المسؤولية تتحملها الأسره والمدرسة وكل مكان يوجد فيه الفرد وتساهم في تنشئتة وتعزيز القيم الأخلاقية لديه.
فلننظر إلى الواقع والتاريخ ، بعين الحق والحقيقة، ونكشف الزيف، الذي عمل فيه الناس لتغطية أفعالهم، ففي زمن المصالح فإن الفرد يسعى وراء مصلحته الشخصية وعدم استعداده للمواجهة وقول كلمة الحق فهذه الكلمه تجعله يخسر رضى الآخرين عليه أو تؤخره عن الوصول للهدف المنشود، فهذه الكلمه مزعجة لأغلب الناس وصاحبها في نظر البعض انسان فض في التعامل يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك لابد من التحايل وأن يكون مجاملا إذا أراد أن يكون مقبولا ومحبوبا من الآخرين، حتى لو كانت هذه المجاملة تصل الى حد الكذب والنفاق وتغيير الواقع.
ومن هذا المنبر استطيع القول أن كلمة الحق لم يعد لها مكان في مجتمعنا، وهذا الأمر يشكل خطورة بالغه بتغييب الحق وضياع الحقوق.
في هذا الزمن أصبحت فيه المبادئ والمفاهيم تحمل معاني كثيره، فالكذب أصبح مجاملة، والنفاق شطارة، والتلون وتغيير المواقف فهلوه، والسكوت على الظلم مسالمة وعبارة "حط راسك بين هالروس وقول ياقطاع الروس" متداولة تعني الخنوع والذل والتبعية، وحدها كلمة الحق ظلت عزيزة وغالية الثمن، يخشى الكثيرين من دفع ثمنها.