في أحد المكاتب التي تزينت جدرانها بعبق التاريخ وفي يوم جمعة حيث امتزج عبق المكان بعبق الزمان ظهر علينا مستقبلا بابتسامته الهادئة وسمته الوقور، في احدى عينيه شبق الحنين للقائد الراحل والرفيق الحبيب الحسين بن طلال أب الأردنيين جميعا الذي امتلأ المكان بعبق ذكراه، وفي عينه الأخرى حرارة الوفاء لحادي الركب وقائد مسيرة النهضة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
جدلية المكان والزمان هي ما انتابنا من لحظة جلوسنا بانتظار انتهائه من موعد آخر، حيث لا يمكن ان نحقق ذواتنا في غياب احداها، هي التفسير المنطقي الأوحد لقدرة رجل حمل عبء المسؤولية فلم يشعر بحاجة الى راحة كما نحتاجها جميعا وننتظر عطلة نهاية الاسبوع لنخلوا الى انفسنا والى اهلنا. يقول كلاي روتليدج، أستاذ الإدارة في جامعة نورث داكوتا ستيّت الأميركية، إن الدراسات تُظهر أن مشاعر الحنين إلى الماضي، يمكن أن تشكل أداة مفيدة ومصدرا للإلهام ولبعث مشاعر الراحة في النفوس كذلك، بما يساعد العاملين على اجتياز اللحظات العصيبة التي يمرون بها في حياتهم المهنية، وتحفيزهم على بذل قصارى جهودهم على صعيد أداء وظائفهم.
برفقة كل هذا الشعور دخلنا عليه حاملين فكر وطني يمكن من خلاله ان ننهض بمجتمعنا ووطننا، استمع الينا بهدوء الواثق ووقار الحكماء، لم يتحدث كثيرا بالرغم من تعبير تقاسيم وجهه التي أوحت عن سعادته بما يسمعه من ايجابية حاولنا نقلها واقعا وليس شعارا فحسب.
ودعنا كما استقبلنا بحرارة اشعرتنا حقيقة انه مرحب بنا في بيتنا بيت الاردنيين واقعا لم نلمسه الا بوجوده رئيسا وامينا لهذا الديوان الملكي العامر بتوجيهات جلالة الملك المفدى واخلاص امينه معالي ابو الحسن كما يحب ان يناديه مقربوه. خرجنا وتفاصيل الحنين للحظة بكل تفاصيلها، للصورة للرائحة للكلمة وللمضيف. لأول مرة شعرت بمهابة ارتباط المكان والزمان والأشخاص بشكل افقدني القدرة على التعبير المتزن، فحنين الانسان لكل منهم يجعل من وجوده وتواجده ذا طعم مختلط بإحساس إما أن يكبله أو يحرره.
بعد أن خرجتُ أيقنت أنني أنتسب إلى وطن عظيم، هو قبلة الأوفياء المخلصين لرسالته الخالدة، وحمدتُ الله كثيراً لانتسابي لهذا الوطن الشامخ بقيادته وشعبه ورجاله الأوفياء، ولأجل وطني سأقرِّبَ دفتري وأمتشقَ حسام قلمي؛ أفاخر برجاله الأوفياء وأتغنى بأوصافه الجميلة، وأترنم بتاريخه العظيم، تذكيراً للمحبين وتصحيحا للمخطئين وتعليما للجاهلين. أيها الجميل كالوطن معالي السيد يوسف العيسوي حماك الله وحفظك وادامك شامخا في ظل سيدي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وولي عهده الأمين.