بالأمس تلقينا خبر صادم وهو رحيل السيدة الصابرة المكلومة أم فادي عويدات وخلال مراسم التشييع للجثمان سألني أحدهم أراك متأثراً على الفقيدة .. فهمست بإذنه " هذه خنساء المفرق " وقد مر عليها من الألم النفسي والمرضي الكثير فهي بحق عاشت مكلومة وصابرة وهي إذ تودعنا اليوم إلى دار الحق فأنني أودعها بكلمات وقد أمتزجت مع العبرة التي خنقتني فغادرت المقبرة مسرعاً لأن من رحلت عن دنيانا هي سيدة الوجد والصبر خنساء المفرق ، رحلت بعد عناء مع المرض ، ورحلت وتركت وراءها قلوبا تبكي ألماً وعيوناً تبكي دمعاً ، رحلت أم فادي عويدات عن هذه الدنيا الفانية لتلحق ببناتها وزوجها وإخوانها ، رحلت أم فادي سيدة الياسمين والصبر من سيدات المفرق الأوائل بعدما سطرت تاريخها بالنضال مع بناتها وأولادها رحلت وهي تبتسم للسماء وقد تركت من الأخلاق والتربية الكثير رحلت وهي تترك سجلاً من ذهب وكلمات أضاءت الحي الجنوبي وجبين المفرق ، أيا فادي وشادي ورياض وفراس يا أخواني وأبناء عمي فاخروا الدنيا بأمكم التي سجلت التاريخ من نور وعبق وعلى جبين كل من رافقكم وصاحبكم وأجيالكم كلها تحلف بحياة أم فادي وهي من جاهدت لأجلكم وهي في ريعان شبابها مع بناتها فكانت الأم وكانت الصديقة وكانت الأخت التي تطبطب على الآلام وفي حين كانت خوابيها مليانة بالخير كانت سيدة الجود والطيب وظل منزلها وجهةً لكل الباحثين عن الأمان والمأوى وقال لي أحدهم بالأمس " بأننا لم نجد من يأوينا يوماً ما إلا أم فادي " فتحية لك وأنتي من أجج فينا البدايات وفاتحة أخرى نقرأؤها دبر كل صلاة على روحك يا سيدة الكرم والصبر وأنتي التي فتحت أبواب بيتك لكل من سأل وأنتي التي أعزت دينها على دنياها .
خنساء المفرق ودعتنا بالأمس وفارقت الحياة وهي طريحة الفراش وقد هدها المرض اللعين ، لكنها ضربت أروع المثل للمرأة المفرقاوية المسلمة المؤمنة ، التي حملت هم أبناءها ودينها، وقدمت الغالي والنفيس في سبيل عزتهم ورفعتهم ، وضربت خنساء المفرق أروع المثل في تربية الأبناء التربية السليمة على العزة والإيثار والطيب رحم الله خنساء المفرق ... وهي في حلها وترحالها ما لها إلا صبرها محتسبة عناء الفقد والمرض حتى في زلزال مرضها وتعبها كنت قد رأيت بلوغ المجد من بين أصابع يدها مجدا" يعانق مجدا ، طبت حيةً وميتةً يا وجع الأيام الجميلة يا أم فادي فما زلت أعيش صمتك ونظراتك وكلماتك ، التي كلما أشتد الوجد أعادني لأقلب التاريخ مرات ومرات بأنك ملاك غادرنا بدون أستئذان ...
يا سيدة الحزن والصبر اسمحي لي .. انه إذا كان للمفرق قمم فأنت قمة الصبر ونقوش بواديها وسنابكها وخير خوابيها ورجاء دعواتها .. وإذا كان هناك سجل مفرقاوي حافل بالنساء الكثيرات فانت لا تقلي عنهن وأنت الصورة الخالية النقية وأنت جديرة بالاحترام لأنك قوية بالحق ... واليوم وقد تدرجت روحك إلى معارج السماء ولحقت بركب من سبقوك فأنت مفخرة وسيدة النساء .. ومن ثم أنت لست مفخرة لابناؤك وحدهم بل مفخرة لسيدات وأهل المفرق جميعاً .. وفي هذا اليوم وليلة الجمعة طبت حيةً وميتةً يا ام فادي والله أسأل لروحك السلام والرحمة أنه سميع مجيب الدعاء ..