في الآونة الآخيرة أصبح العالم يدور في فلك الرقمنة والإنترنت ومواقع التواصل والتنافس الاجتماعي، العالم بات مختلف عما أعتادنا عليهِ في العقود التي مضت، وسبقت ظهور الهواتف الذكية والحياة المثالية لشخوص السوشيال ميديا. هذا مفكر وتلك مدونة موضة وهذا باحث وفيلسوف، وتلك تستعرض أسفارها ورحلاتها برفاهية وغيرهم الكثير ممن تعددت منتجاتهم وأفكارهم وطروحاتهم وآرائهم حول كل شيء فهذا ينصح بما يجهل، وتلك تدعي ما لا تفعل. فيما يتابع هؤلاء قبيلة من الشباب والمراهقين متأثرين بالهامش المِثالي الذي يقوم أصحابهُ بمشاركتهُ وتصويرهُ على صفحاتهم التي تعج بالإعجابات والتعليقات.
يُبدون إعجابهم بهذهِ الحياة التي تستعرض أمامهم محاولين تقليدها أو السعي لعيش شيء مشابه لها، معتقدين إنها حياة كاملة لا تشوبها شائبة ولا تَحول بينها وبين سعادة تليها سوى لحظات مِثالية من الراحة والإيجابية والطموح والربح؛ الكثير من الربح من جمال مثالي يستعرضهُ هؤلاء المشاهير لكنهُ مغلف بفلاتر متعددة تحاول أن تؤكد أنها تعكس الحقيقة لا شيء سوى الحقيقة. ما تقدم ليس هجوم على هؤلاء السادة المؤثرين حاشاهم من النقد فكل نقد بالنسبة لهم وكل من يسدي نصيحة أو يصحح فعل يعتبر من أعداء النجاح! النجاح على مقاييس شخصية وحياة خاصة لا تتجاوز حدودهم المحمية بغرور ونرجسية وزهو بالنفس لا يضاهيه شيء.
إن مجتمع Facebook, Instagram, snapchat, TikTokمرآة للمجتمع الحقيقي، والعلاقات داخل هذا الفضاء الالكتروني تحكمها نفس المفاهيم التي تحكم المجتمع الواقعي، لذلك فوسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا صورة مصغرة من المجتمعات المعاصرة؛ صورة سهلة الوصول والدراسة، لذلك على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن يعلموا أن خطر هذه الأدوات الجديدة يتعدى فكرة الخصوصية أو الخلافات المحلية، ويصل إلى سياسات دول لم تعد تبذل جهدًا ومالًا لتعيش بيننا وتعلم الطبيعة المعاصرة لمجتمعاتنا وهوياتنا وثقافتنا.
أصبحت السوشيال ميديا جزء مهم في الحياة اليومية لجميع الأعمار، فقد سهلت وسائل الاتصال بشكل ملموس، لكن على الرغم من ذلك فإن لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع ؟ فما هي هذه الآثار وهل لها تأثيرات إيجابية ؟ هذا ما سوف يتضح فيما بعد في هذا المقال .
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، في السنوات العشر القليلة الماضية يمكننا ان نقول ان استخدام الانترنت بالأخص مواقع التواصل الاجتماعي كان لها النصيب الأكبر من استخدام المستخدمين في هذا الفضاء الرقمي الكبير والمهيب، حتى انه اصبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من حياة الكثير من البشر، بالإضافة لذلك فإن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لم يقتصر على التواصل الاجتماعي والمحادثات الشخصية، بل تطور وأصبح يطال كافة مناحي حياة الانسان، فدخل في الاعمال والشركات والتجارة والطب والتعليم والتعلم والسياسة فلم يترك مجال الا وتناوله وكان له دوراً بارز فيه.
تأثير السوشيال ميديا في حياتنا لا ينطوي على السلبيات فقط، لكنها تعتبر أداة يمكن تطويعها للحصول على بعض الإيجابيات التي تجعل الحياة أفضل وتجنب السلبيات.
هناك العديد من الايجابيات للتواصل الاجتماعي وأهمها خلق فرص عمل أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تروج للشركات والوظائف إذ تساهم في حل مشكلة البطالة التي تعاني منها المجتمعات ، وكما تعتبر وسيلة ممتازة لتسويق السلع و الخدمات مما يساعد في تحقيق الربح كما يمكن الاستعانة بمنصات التواصل الاجتماعي في نشر حملات التوعية الخاصة بين أفراد المجتمع بالمشكلات و القضايا المجتمعية كما أنها تساهم في التعبير عن الرأي و تبادلها عبر هذه الوسائل .
يؤثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع ككل، لأنها يمكن أن تؤدي لمشكلات كثيرة، حيث أن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي تتضح في أنها تقلل من عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع حيت يقتصر الاتصال على استخدام الرموز والصور للتعبير مما يسبب تلبد في المشاعر ويزيد فرص التفكك الأسري حيث تم استبدال الزيارات العائلية و المقابلات مما يزيد من انتشار الخمول و الكسل ويزيد السمنة نتيجة الجلوس لفترات طويلة ، هماك طثير من الأخبار المنشورة كاذبة و تأثرت الخصوصية بشكل كبير مما زاد من ظاهرة التنمر على الآخرين مما يسبب آثار نفسية قد تصل للانتحار .
الشباب والأطفال والمراهقين هي أكثر الفئات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مما يسبب وقوع الكثير من الآثار السلبية النفسية عليهم من الاستخدام المفرط و المبالغ فيه للسوشيال ميديا يسبب اضطرابات التوم (الأرق)، ويعاني الشخص المستخد م بكثرة من النسيان وضعف الانتباه والتركيز ، ومن استخدام هذه المنصات للتواصل قد تجعله يميل للعزلة والأنطواء ومع الوقت قد ينعزل عن واقعه المحيط مما يسبب الرهاب الاجتماعي و الاكتئاب يمكن أن يتعرض البعض لمشكلات نتيجة التواصل مع الغرباء خاصة المراهقين كما يتعرض البعض للسرقة و الاحتيال في حالة القيام بعمليات البيع والشراء .
لم يقف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب بل أثر على المجتمع ككل، فظهرت هذه الآثار جلية وواضحة حتى على العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، فعلى الرغم من ان لها تأثير إيجابي نوعاً ما مثل إيجاد وسيلة للتواصل بين افراد الاسرة المسافرين او المغتربين، ولكن التأثير السلبي كان له الدور الأكبر، حيث قللت وسائل التواصل الاجتماعي التواصل الحقيقي والفعلي بين أفراد الأسرة الواحدة في البيت الواحد، فسببت الانطوائية بين افراد الاسرة خاصة المراهقين منهم، وإدمان الانترنت فتجد ان بعض افراد الاسرة يستخدمون الانترنت ويتواصلون مع الآخرين أكثر مما يتواصلون مع افراد اسرتهم، بالإضافة لتدني المستوى الدراسي والفشل الدراسي نتيجة للاستخدام المفرط للإنترنت واهمال الدراسة، ولم يقف الأمر عند هذه السلبيات بل قد يتطور لان يجعل الافراد المفرطين في استخدام الانترنت ذو طباع وعادات سيئة بفعل ما يشاهدونه على الانترنت التي تكون احياناً بلا رقابة من الوالدين، ولا ننسى انه قد يؤثر بشكل كارثي على جميع افراد الاسرة فقد يكون كل من يستخدم الانترنت معرض لسرقة بياناته الخاصة والتي قد تعرضه للابتزاز الالكتروني والتهديد، ما قد يجره لفعل أمور سيئة خوفاً من النتائج في غياب التوجيه والرقابة الاسرية الصحيحة، حيث أثبتت الدراسات انه على الأقل4 اسر من بين 6 يتعرض بعض افراداها للابتزاز الالكتروني.
تأثير السوشيال ميديا في حياتنا أصبح متشعب لأنها تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية، حيث أنها تؤثر على المجتمع وأفراده، خاصة الأطفال والمراهقين، لذا فإنه يجب الانتباه لهذه التأثيرات ومحاولة التقليل منها بالحد من الإفراط في استخدامها، مع تعظيم الإيجابيات حتى تؤتي ثمارها.
كرست فينا التقنية أن نسهر معها، وأن ندللها وننظفها، وأن نكون حذرين منها، حتى لا يقع خطر ما، ينبغي مراقبتها حتى نكون في مأمن، أي خطوة تقدمنها في عصرنا هي خطوة نحو الخلاص والعبودية. قد أشرت إلى أن التقنية كما قال هايدغر هي كائن حي نخاطبه ويخاطبنا، نأمره ويأمرنا، ويحذرنا، ويهددنا، ويستعبدنا، ويجعلنا ننتبه من أي غفلة كيفما كانت، إن عالم التقنية يطلب منا الصمت والمراقبة حتى نعيش في سلام، فالصراعات والحروب التي تقع الآن، زاد انتشارها وتضاربها بفعل التقنية، إنها تعاقبنا.
تعتبر فترة المراهقة من اكثر الفترات حساسية وتأثيراً على الفرد، فيمر بها بتغيرات فيسيولوجية ونفسية وكلية تأثر به وبشخصيته وبتشكيلها، لذلك وجب توفير جو أسري مناسب للمراهقين لما له من دور كبير في تشكيل شخصيته وتنميتها، وفي الجانب الآخر مراعاة الظروف التي يمر بها واعطائه مساحته الخاصة ولكن بحدود ويجب ان تكون الحدود أكثر ما يكون على استخدام الانترنت، لما له من تأثير كبير جداً في بلورة شخصية المراهق والتأثير عليها وخاصة بالسلب اذا ما زاد استخدامه عن الحد.
وتؤكد الدراسات ان هناك علاقة وثيقة بين استخدام المراهقين للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الكبير و زيادة الاكتئاب والقلق لديهم، حيث تظهر الدراسات ان هناك تأثير واضح بالتأثير على صحتهم العقلية، ففي دراسة أجريت على مجموعة من المراهقين الذي تتراوح أعمارهم ما بين 14و17 ممن يستخدمون الانترنت ما يزيد عن 7 ساعات في اليوم فهم معرضون اكثر للأمراض العقلية والاكتئاب القلق والمشاكل السلوكية والنفسية المختلفة، ويجب ان تتم معالجتهم، بينما تقل المشاكل عند من تقل عدد ساعات استخدامهم للإنترنت.
يعتبر الأطفال من الفئات الحساسة التي تتأثر بأي شيء من الممكن ان تراه او تسمعه، ففي هذه المرحلة تتم بلورة شخصيتهم وافكارهم وكل طباع حياتهم القادمة، لذا كان لابد من الاهتمام بها اهتمام شديد من قبل الأهل وكل من له دور في تكوين شخصية الطفل في هذه المرحلة مثل المدرسة، ولعل لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير كبير عليهم فتارة يكون إيجابي وأخرى سلبي، حيث تتمثل الإيجابيات في استخدام السوشيال ميديا للطفل في حال تم مراقبته اثناء استخدامه لها
في حال كان استخدام جيد يحسن من آرائهم وافكارهم ويصقل مهاراتهم في التواصل.كم يزيد من إمكانية تواصلهم مع العائلة.يساهم الانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي بالأخص على تطوير تطبيقهم للتكنولوجيا وزيادة المهارات التقنية والعملية.كما توفر للأطفال مساحة للحرية في التعبير عن الراي والنفس.
اما الجانب السلبي فربما يكون تأثيره اشد وأكبر على الطفل وسلوكياته وتشكل طريقة حياته خاصة أنه في مرحلة حرجة من حياته فلا يستطيع ان يميز الخير من الشر والجيد من السيئ، فيستطيع أي شخص ان يؤثر به، ويمكن ان يقلد أي شيء يراه او يسمعه دون ان يفهم اذا ما كان صحيح ام خاطئ، وقد يقع الأطفال نتيجة للاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي ضحية للابتزاز الالكتروني والذي قد يجرهم لافعال خطيرة وقد تكون مميتة، فقد يدفعهم للانتحار نتيجة لذلك، وتؤكد الدراسات ان 6 من بين 10 أطفال يستخدمون الانترنت بدون رقابة أهلهم قد يتعرضوا للابتزاز الالكتروني، ما يشكل خطراً حقيقياً وكارثياً، اذا لم يكن بإشراف الاهل ومراقبتهم خاصة للأطفال وكما يؤثر على التحصيل الدراسي للأطفال، ما قد يجرهم للفشل الدراسي ، الذي يعتبر مشكلة حقيقية،وقد يكون استخدام الطفل للإنترنت مضراً فعلاً، فقد يدخل لمواقع سيئة وضارة تؤثر على أفكاره وسلوكياته التي تكون طور التشكل في هذه المرحلة.
بسبب الطبيعة النابضة للشباب، يشير الخبراء إلى أن المراهقين الذين ينشرون محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي معرضون لخطورة مشاركة الصور الحميمة أو القصص الشخصية للغاية. مما قد يؤدي إلى تعرُّض المراهقين للتنمر أو المضايقة أو حتى الابتزاز. غالبًا ما ينشئ المراهقون منشورات دون مراعاة هذه العواقب أو مخاوف الخصوصية.
من واجبنا نحن كبالغين و أولياء أمور حماية ابنائنا المراهقين ثمة خطوات يمكنك اتخاذها لتشجيع الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي والحد من بعض آثارها السلبية. تحدث إلى ابنك المراهق حول كيف يتجنب تدخل وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطته أو نومه أو وجباته أو واجباته المدرسية. شجع روتين ما قبل النوم الذي يشمل الامتناع عن استخدام الوسائط الإلكترونية، وأبق الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خارج غرف نوم المراهقين. كن قدوة من خلال اتباع هذه القواعد بنفسك. شجّع الاتصال المباشر مع الأصدقاء ،وهذا مهم خصوصًا للشباب المعرضين لاضطراب القلق الاجتماعي يمكنك تحدّث عن عاداتك في وسائل التواصل الاجتماعي. اسأل ابنك المراهق كيف يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تؤثر على شعوره. ذكّر ابنك المراهق بأن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالصور غير الواقعية.
ختامًا لابد لنا أن لا نسعى ونطمح لأن نكون نسخة من حياة أشخاص آخرين ولا نتأثر ونصدق كل ما نقرأه ونشاهده من خلف الشاشات من خلال هؤلاء الأشخاص الذي يطلق عليهم بالمؤثرين فهم بشر معرضين للخطأ، وأن نستخدم هذهِ الوسائل فيما ينفع كنشر الوعي والعلم بصورة تجعلنا نحافظ على القيم الإنسانية الخاصة بنا كأشخاص مستقلين ولا نكون مجرد نسخة مكررة ومشابهة لغيرنا.