منذ كنتُ رضيعًا و أنا أحلم بين الرضعة و الرضعة بالرضعة ..وبعد أن فطمتني أمي وصرتُ أمسك الخبزة في يدي ..قالوا لي بأنني تمسكّت بها من أول مرّة (قرقطتُ) و شددتُ عليها كي لا تسقط أو يسلبها أحدٌ منّي ..!!
من يومها بدأت حكايتي مع الخبزة ..مع عذابها و شقائها ..مع تداعياتها التي لم أكن أعيها إلا حين كبرتُ و دخلتُ لعبة الخبز و الشعوب ..فكلّما توسّعت أحلامي أو زادت حُلمًا جديدًا أعادوني إلى لعبة الخبزة المربوطة بصنارتهم ..فإذا ما انحرف أحد أحلامي عمّا هو مرسوم في قواعد اللعبة ؛ شدّوا الصنارة إليهم ..فتطير الخبزة ..ويطير قلبي وراءها ..أركض أركض ..فلا أنا أمسكتُ بها كلّها ..ولا أنا الذي تنازل عن حُلم من أحلامه بشكل رسمي ..لكنني حقيقة ركنتها جانبًا ..فهي حالة تشبه اللاحرب و اللاسلم ..!
نحن غارقون بوسط أحلامنا ..لم نتنازل ..كلّنا كلّنا لم نتنازل ..حتى وإن ظهرت علامات التنازل ..هم يعلمون أن الأحلام تبقى مع الإنسان حتى وهو يغرغر و في النفس الأخير من الحياة ..هم يدركون بأن الفقراء مهما صفّقوا لهم ؛ فهم يصفقون للصنارة كي ترتخي قليلًا ليستطيعوا قضم شيءٍ من الخبزة ..
كاذب من يقول لك بأنه بلا أحلام ..وأنه نسيها ..بل كلّها – كما قلت لكم – مركونة جانبًا ..تستعيد نفسها بدفء المقاومة و حرارة الصمود ..ومهما بدت لهم أفانيننا في الانبطاح أو الاستسلام لهم ..
غارقون في احلامنا ..و التي يعرفونها حلمًا حلمًا ..والذي لا يعلمونه أو يتغاضون عنه : أن الأحلام تورّث..من الأب إلى الابن ..ومن الجماعة للجماعة ..ومن الشعوب للشعوب ..لأن أحلام أمثالنا تدخل في الجينات ولا يمكن إلا أن تظهر عند أوّل فحص ..!!