في يوم الأربعاء 21/ 12/ 2022، اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قيادات وزارة الدفاع الروسية وكان الإجتماع موسعاً، ومدته كانت ما يقارب من الساعة والنصف.
تكلم من خلالها فلاديمير بوتين في عدة نقاط مختلفة، لم يكن الحديث فيها مُرتباً أو منظماً، أو على الأقل لم يكن حديث بوتين إلا عبارة عن نقاط مبعثرة لاصقة في ذهنه حول حربه ضد أوكرانيا!، وسوف أنتقي من خطابه أهم ما أجد من وراءه أشياء مخفيّة! .
فماذا قال بوتين وما هو تحليل ما قاله؟.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ضمن ما قال خطابه الطويل المتشعب بأنه عرض في السابق على أمريكا أن تدخل روسيا ضمن (المجتمع المتحضر) لكن أمريكا رفضت ذلك !.
فماذا يعني كلام بوتين هذا؟، هل يعني هذا أن بوتين يرى أن المجتمع الروسي مجتمع متخلف وغير متحضر؟، ولماذا إذاً بوتين بشكل دائم يهاجم المجتمع الأمريكي والغربي ويصفهم بالمجتمعات المنحلة؟.
وهل هذا يعني أن الروس يرون أنهم أقل من الأمريكان في القدر والعِرق والحالة المجتمعية؟.
وهل الرفض الأمريكي لأن تنضم روسيا إلى المجتمع المتحضر كما ذكر بوتين خلّف عقدة النقص في رأس فلاديمير بوتين؟!
وهل هذا له علاقة في حربه ضد أوكرانيا؟.
في الحقيقة لا أرى تفسيراً لكلام بوتين هذا إلا إنه مهزوم نفسياً ومهزوم حضارياً!.
واستذكر بوتين في خطابه دعم أمريكا لدول القوقاز أثناء الحرب ضدها، وقال إنه رغم دعم أمريكا لتلك الدول إلا أن روسيا استطاعت الإنتصار عليهم، وبوتين بهذا الكلام أراد أن يقول لأنصاره بأن وقوف أمريكا مع أوكرانيا لن يجعلها تنتصر.
وهذا الكلام الذي قاله بوتين بشأن إنتصاره على بعض الدول في إقليم القوقاز هو كلام مغلوط من ناحية مقارنته بحربه مع أوكرانيا، لأن تلك الدول التي يعنيها بوتين هي دول صغيرة جداً ولا يوجد لديها جيش قوي مثل أوكرانيا ولا حتى تسليحها العسكري يصل إلى ربع التسليح العسكري الأوكراني، كما أن أوكرانيا تقف إلى جانبها العديد من الدول القوية والمتقدمة عسكرياً، بعكس تلك الدول في إقليم القوقار التي لم تجد أي دولة تنصرها وتقف معها ضد روسيا!.
وأيضاً قال بوتين في ذلك الإجتماع إن "روسيا خسرت معركة العقول والغرب نجح فيها"، ويقصد بوتين في ذلك أن أمريكا والغرب نجحوا في الهيمنة الفكرية على أوكرانيا وإقناع الشعب الأوكراني أن روسيا ليست إلا دولة توسُعية، رغم أن أوكرانيا جارة روسيا وبينهم دين واحد وتاريخ سياسي مشترك ولغة شبه مشتركة! وهذا الإعتراف من بوتين اعتراف مضحك، لأن الإنسان بفطرته يبغض الظلم والإستبداد وقمع الحرية، وبوتين يريد من الأوكرانيين أن يرضوا بهيمنة الروس عليهم في كل شيء حتى في الفكر والمشاعر!.
أما عن خطاب وزير الدفاع الروسي فلقد جاء مملوءاً بالفضائح العسكرية!، ويعتبر حديثه الذي قاله في ذلك الإجتماع كشفاً للعديد من الأسرار العسكرية التي يفترض ألا تقال في إجتماع علني ومنقول على الهواء مباشرة يشاهده الملايين من الناس!.
قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إنه لابد من إحداث إصلاحات عامة في الجيش الروسي، وإنه لابد من رفع عدد الجنود المقاتلين في الجيش الروسي إلى مليون ونصف مليون جندي، ودعى سيرغي إلى أهمية رفع سن التجنيد الإجباري من 18 إلى 21 عاماً، وأن تكون نهاية الإستدعاء للتجنيد الإجباري من 30 عام بدلاً من 27 عاماً.
لكن الغريب جداً والفضيحة المدوّية أن يقول سيرغي شويغو إن وزارة الدفاع الروسية عندما فتحت باب التطوّع للإلتحاق بالجيش لم تستطع أن تجمع وزارة الدفاع سوى 20 ألف جندي فقط! وأن هذا الأمر اضطرهم لإستدعاء الجنود الإحتياط للإلتحاق بالجيش، حتى تكتمل خطة التعبئة الجزئية التي أمر بها الرئيس بوتين، ولقد واجهوا أيضاً مشاكل كثيرة في إستدعاء الجنود الإحتياط!.
فهل يُعقل أن يكون عدد سُكان روسيا 143.4 مليون إنساناً، ولا يتطوّع منهم إلا 20 ألف للدفاع عن وطنه! رغم أن روسيا في حالة حرب! وماذا يعني هذا؟، هل يعني أن الشعب الروسي ليس عندهم إستعداد لأن يخوضوا حرباً ظالمة ضد أوكرانيا؟، أَم يعني هذا أن الشعب الروسي أراد بهذا الأمر أن يقول لبوتين وحكومته بأنه ضد قراراتهم التي دهوّرت روسيا وشعبها؟!.
وماذا يعني أن تقوم وزارة الدفاع الروسية في عمل إصلاحات عامة في الجيش الروسي كما ذكر ذلك وزير الدفاع؟، هذا يعني أنه يوجد خلل متسع في تماسك الجيش الروسي، وأن الفساد ضرب بأطنابه على المؤسسة العسكرية الروسية بكافة إداراتها وأقسامها ووحداتها، وهذا الأمر واقع بالفعل وتعكسه الخسائر المتكررة للجيش الروسي في معظم معاركة ضد الجيش الأوكراني.
وقال أيضاً وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إنهم سيخصصون فرقة طيران خاصة لمختلف وحدات الجيش الروسي من أجل حمايتها، وعددها سيتراوح ما بين 80 إلى 100 مروحية مقاتلة.
ومعنى ذلك أن الجيش الروسي لديه مشكلة كبيرة جداً في حربه التي يخوضها ضد أوكرانيا، وهي إنكشافه وسهولة إستهدافه، لعدم وجود أي غطاء جوي يحميه ويُسهل له التقدم في المعارك!، الأمر الذي يعكس أن الجيش الروسي كان يعيش بأزمة تخبط واسعة، وضعف شديد في الدعم اللوجستي، وهذا الأمر جعل الآلاف من الجنود الروس يُقتلُون بلا صعوبة كبيرة في مختلف المناطق الأوكرانية.
والغريب أيضاً أن يتكلم سيرغي شويغو عن هذا الخلل العسكري الجسيم وخطة إصلاحه وعدد الطائرات التي سوف تستخدم هكذا علانية وأمام كل العالم، بينما يفترض أن يكون الحديث عنه بسرية تامة!.
وقال أيضاً سيرغي شويغو إن هناك حوالي 200 قمر صناعي عن طريقهم تتم متابعة ورصد تحركات الجيش الروسي في مختلف الإتجاهات، وأيضاً وحود خبراء إعلاميين في داخل أوكرانيت وخارجها يعملون ضد روسيا.
وهذا الكلام من سيرغي شويغو يعكس بجدية وعمق مدى حالة الإنهزامية الكبيرة التي يعيشها القادة الروس، بسبب أن جميع تحركاتهم العسكرية هي مكشوفة بالكامل، بسبب وجود 200 قمر صناعي ترصد كل تحركاتهم!، بسبب وجود خبراء في الإعلام يعملون على محاربة الحالة النفسية والمعنوية والأيدلوجية عند الجنود الروس! .
أقول في نهاية المقال إن ذلك الإجتماع الموّسع الذي عقده بوتين مع قادة الجيش الروسي من أول أخطائه الفادحة أنه كان معقوداً على الهواء مباشرة! .
حيث جاءت فيه فلتات خطيرة من لسان بوتين ولسان وزير دفاعه وهم يثرثرون دون أن يلقون بالاً لكلامهم، وكأنهم يجلسون في حفلة شاي على طاولة في أحد ميادين موسكو!.
الروس في ذلك الإحتماع بدت في عيونهم وكلماتهم الإنهزامية النفسية والعسكرية والإجتماعية والحضارية، وأرى أن ذلك الإجتماع لم يأتي إلا من أجل التواجد الإعلامي الذي تحرص عليه دائماً الإستخبارات الروسية، لكيّ توحي للناس أن بوتين وحكومته لا زالوا متماسكين وصامدين ويقاومون، وهذه محاولات فاشلة تأتي متأخرة من أجل إنعاش الدولة الروسية.