سورة يوسف عليه السّلام هي السّورة الوحيدة التي اشتملت على قصة نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأكملها؛ وهي من أحسن القَصص التي قصّها الله تعالى على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلَّم في محكم التنزيل؛ فقال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)، وقد نزلت في عامّ الحزن المعلوم؛ لما فيها من عِبر جمّة وفوائد مهمّة في التسلية عن روح النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلَّم لما عانه من فقدٍ لأحبّته، فجاءت هذه السورة بما تحتويه من مضامين نيّرة مشرقة في القصّة الملهمَة المنسَجة أحسن نسيج؛ من حبكةٍ وتشويقٍ وإثارةٍ، وغيرها من عناصر القصّة الهادفة التي تكون سبباً رئيسياً في إيصال الأهميّة المعنيّة من إيراد القصّة في ذلكم الموضع، وعلى تلك الطريقة، وبذلك الأسلوب القرآني الفريد المُبدَع، وسُمّيت سورة يوسف بهذا الاسم للحديث عن قصّة نبيّ الله يوسف عليه السّلام؛ فهي سورةٌ مكيّة تشتمل على مائة وإحدى عشرةَ آيةً، في حين جاء ترتيبُها في القرآن الكريم بين السور؛ الثانية عشرةَ.
مَضامينُ سورةِ يوسف عليه السّلام
تضمنت سورةُ يوسفَ عليه السّلام مضامين كثيرةً ذاتَ أهميةٍ وعبرةٍ؛ وفيما يلي أبرز ما تحويه السورة من مضامين ثلاثة جامعةٍ شاملةٍ لعمومِ مضمون السّورة بتمامِها:
بيانُ نعمِ الله على أمّته بإنزاله القرآن الكريم عليهم
إذ هي من أجلّ النعم على هذه البشرية، حيث ابتدأت السّورة الكريمة بالتفصيل في هذا الجانب؛ فقال تعالى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، حتّى أتت السورة على قصّة نبيّ الله يوسف عليه السّلام؛ فاستغرقت فيها أغلبها ومرّت على مجملِها، ثمّ قال تعالى في ختام السّورة واصفاً حال الأُمّة بعد هذا البيان العظيم: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
بيانُ قصّة نبيّ الله يوسف عليه السّلام
قصّة نبيّ الله يوسف عليه السّلام احتوت معظم السورة، كما أنّها اشتملت على الكثير من العِبر والدروس العظيمة، فمن أهمها:
الرؤيا التي رآها يوسف عليه السّلام في أول السورة، ثمّ ارتباطها التامّ بمحور القصة كاملةً، أي أنّ تفسيرها يأتي تباعاً في تفاصيل حياته عليه السّلام - كما جاء عنصر الرؤيا في القصة مع صاحبي السجن، وتفسير نبيّ الله يوسف عليه السّلام لهما رؤياهما.
ذكر قميص يوسف عليه السّلام في محور الحدث الذي كان بدايةً، عندما خانه إخوته وغدروا به، في حين نجد أنّه أداة له أهميته في كافة القصة - في كشف براءته مع امرأة العزيز، وفي كشف خيانة إخوته له، وفي استرداد عافية نبيّ الله يعقوب والد يوسف عليهما السّلام؛ إذ كان بمثابة بشارة ليعقوب عليه السّلام في الاجتماع مع ابنه المحبوب يوسف عليه السّلام.
القصة مجسّدة تماماً للعناصر التشويقية؛ ففيها يظهر الصوت والصورة، وهذا مما يبين إعجاز القرآن الكريم، وإدلائه للقصة والأحداث، بواقع التشويق والتجسيد والإثارة كذلك.
القصص في القرآن الكريم لم تذكر للتسلية أو الترفيه، وإنما كان لكلّ قصة في القرآن الكريم عبرة عميقة، ونفس واضح في تأمل واقع الحياة الدنيوية والأخروية، وفي التعرف على الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فالهدف الأساسيّ من قصة سيدنا يوسف هو عدم اليأس والثقة الركيزة بالله تعالى، والتي هي من أعظم من يوصل للنجاح والتوفيق في الدارين؛ فقال تعالى: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
فرج الله تعالى على نبي الله يوسف عليه السّلام بعد صبره وعدم يأسه، واستسلامه لأمر الله تعالى في تدبير الأمور والأحوال؛ وهذا ما نجده تماماً في السورة بكل حدث؛ إذ إنّ الله عزّ وجلّ لا ينسى عباده الصالحين المخلصين ولا يتركهم ولا يتخلى أبداً عنهم؛ فكرّم يوسف عليه السّلام وأعلى من قدره وجعله عزيز مصر بعد أن كان عبداً يشترى ويباع؛ فقال تعالى على لسان يوسف عليه السّلام في ختام السّورة: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
بيانُ إعراض الأمة عن دين الله تعالى، ونعي الله تعالى كفرهم وعنادهم
إذ إنّ الله تعالى لما ذكر في سورة هود السورة السابقة لسورة يوسف عليهما السلام؛ دعوته سبحانه وتعالى للأمة بالرجوع والتوبة إليه؛ وحث على الصبر والاستمساك بدينه، والاعتصام بالاستقامة على أمره؛ فلم يعبأ الناس بتلك الدعوة وذلك الأمر، ولم يستقيموا على شرع الله تعالى، جاء بعدها بسورة يوسف عليه السّلام المليئة بالحزن والأسف على حال من لم يؤمن ولم يتعظ أو يستقم على دين ربه تعالى؛ فاسم يوسف فيه الكثير من الأسف والحزن؛ ومما يؤكد ذلك حزن يعقوب الشديد عليه وعلى فقده؛ فهو تشبيه لحال الأمة التي أتاها النذير والبشير من ربها تعالى فأعرضت وعتت عن الإيمان والاستقامة واتباع منهج دين الله الحق؛ ففضْلُ الله تعالى عمَّهم وهم أعرضوا.