حينما صوت البرلمان الأوروبي في يوليو/تموز الماضي على قبول انضمام كرواتيا لمنطقة اليورو، قالت رئيسة مجموعة العمل البرلمانية من أجل اليورو، البرتغالية مارغريدا ماركيز، "إن انضمام كرواتيا إلى العملة الموحدة هو أول عملية مهمة للتكامل الأوروبي، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وقال رئيس الوزراء الكرواتي أندريه بلينكوفيتش إن "الهدف الإستراتيجي قد تحقق، لقد عملنا بجد وقضينا وقتا طويلا، لأننا نعتقد اعتقادا راسخا أن الانضمام إلى منطقة اليورو يخدم المصلحة الوطنية لكرواتيا".
وأضاف "نحن راضون للغاية، لقد حققنا هدفنا بشكل أسرع من بعض البلدان الأخرى التي بدأت قبلنا"، وأضاف "يتيح دخول منطقة اليورو أسلوب حياة أبسط للمواطنين الكرواتيين، ومزايا اقتصادية هائلة، وختم بقوله "لا يمكننا أن نكون أكثر اندماجا مما نحن عليه الآن".
وكان البرلمان الأوروبي قد وافق على انضمام كرواتيا (انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2013) إلى منطقة اليورو بموافقة 539 صوتا، ورفض 45 صوتا، وامتناع 48، عن التصويت لتصبح بذلك العضو رقم 20 في منطقة اليورو.
ما وضع الاقتصاد الكرواتي؟
يعد الاقتصاد الكرواتي من أقوى الاقتصادات في جنوب شرق أوروبا من حيث الناتج المحلي الإجمالي (58.3 مليار يورو عام 2021)، وانتقل بعد انهيار النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق المفتوح.
ويشبه هيكل الاقتصاد الكرواتي اقتصاديات الاتحاد الأوروبي، حيث تشكل الأنشطة الخدمية نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، وأهم قطاعات الاقتصاد الكرواتي هي السياحة؛ فمع ما يقرب من 20 مليون سائح أجنبي وافد (2019)، يمثل هذا القطاع نحو 20% من الاقتصاد الكرواتي.
وكرواتيا لديها شبكة طرق متطورة، وخلال السنوات الـ15 الماضية قامت بإضافة حوالي ألف كيلومتر من الطرق السريعة الحديثة، مما أسهم بقوة في ربطها مع دول الاتحاد الأوربي، وبشكل أساسي مع ألمانيا وإيطاليا وسلوفينيا والنمسا والمجر.
وتأتي مساهمة باقي القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي (طبقا لإحصاءات 2020) كما يلي:
وتمثل التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي 67% من صادرات كرواتيا (ألمانيا 13%، إيطاليا 12% وسلوفينيا 10%)، أما خارج الاتحاد الأوروبي، فتأتي دولة البوسنة والهرسك على رأس الدول المستوردة بقيمة 9% من إجمالي الصادرات، تليها دولة صربيا بـ5%.
ومن حيث الواردات، تستورد كرواتيا حوالي 77% من احتياجاتها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (15% ألمانيا، ومن إيطاليا 12%، وسلوفينيا 11%)، أما من خارج الاتحاد الأوروبي، فتغطي كرواتيا نحو 5% من احتياجاتها من الصين و3% من البوسنة والهرسك.
ماذا تستفيد كرواتيا اقتصاديا من انضمامها لمنطقة اليورو؟
في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، يوفر تبني اليورو فوائد اقتصادية كبيرة تنبع من العلاقات المالية الأعمق مع الأعضاء الآخرين في كتلة العملة ومن السلطة النقدية للبنك المركزي الأوروبي.
وتعد منطقة اليورو واحدة من أكثر المناطق الاقتصادية قوة في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 340 مليون نسمة، وعملتها اليورو واحدة من أكثر العملات سيولة في العالم.
وصرح وزير المالية الكرواتي ماركو بريموراتس بأنه "مع دخول كرواتيا إلى منطقة اليورو، سيصبح محافظ البنك الوطني الكرواتي عضوا كاملا في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، وسيمكننا ذلك كله من لعب دور أكثر نشاطا في المشروع الأوروبي، سيتم القضاء نهائيا على أخطار تغير أسعار صرف العملة وسيكون لهذا تأثير إيجابي على تكاليف الاقتراض".
وأضاف "سوف يرتفع التصنيف الائتماني لدولتنا، مما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمار وستكون كرواتيا أقوى وأكثر أمانا في أوقات الأزمات".
هل من فوائد سياسية؟
لا تقتصر فوائد اليورو على الجانب الاقتصادي وحسب، بل إن الدخول إلى اليورو له أيضا مكافآت سياسية، حيث يعتبر اليورو قيمة أساسية للوحدة الأوروبية، وتعد العملة المشتركة أكثر المشاريع الأوروبية طموحًا لدمج الدول، مما يمنحها مكانا في قلب الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني الحصول على مقعد في أعلى طاولات صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.
لهذا فإن موقع كرواتيا القوي داخل الاتحاد الأوروبي سيعطيها ميزة نسبية في منطقة من أكثر المناطق في العالم من حيث التقلبات والتغيرات في موازين القوى المبنية على التحالفات السياسية والاقتصادية، ويسعى فيه الاتحاد الأوروبي ليلعب أدوارا مهمة للغاية، مقابل باقي القوى الإقليمية والدولية الأخرى، وعلى رأسها صربيا وروسيا.
هل ستكون هناك منفعة متبادلة بين كرواتيا ومنطقة اليورو؟
لا يتوقع أن تكون لدخول كرواتيا منطقة اليورو آثار اقتصادية دولية كبيرة، فكرواتيا بلد صغير المساحة (56.594 كيلومتر مربع)، وفقير نسبيا، لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة، ويبلغ نصيب الفرد من الثروة 14.989 يورو (حسب إحصاءات 2021)، وهو أقل من نصف متوسط مثيله في منطقة اليورو، ومع ذلك، فإن اعتماد كرواتيا لليورو بدلا من -عملتها المحلية- كونا، يرسل إشارات سياسية مهمة، تتعلق بالاستقرار والأمن الأوروبي، لا سيما في ظل الأزمات الحالية التي تواجه أوروبا، وأشارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إلى ذلك بقولها: "إن انضمام كرواتيا هو تصويت على الثقة لصالح منطقة اليورو".
ما سلبيات هذا الانضمام؟
يتفاعل كثيرون عاطفيا مع الأمر، حيث يرون أن كرواتيا ستفقد استقلاليتها وسيادتها لصالح أوروبا، بينما يتخوف آخرون من تأثير هذه الخطوة على الطبقات الفقيرة، ويدللون على ذلك بما حدث في دول أخرى مثل سلوفينيا، لكن من المؤكد وجود بعض السلبيات الحقيقية، ومنها:
خسارة البنوك
قالت رئيسة جمعية البنوك الكرواتية، تمارا بيركو، لرويترز إن "تغيير العملة له بعض التكاليف بالنسبة للبنوك"، وأضافت "لدينا تكلفة غير متكررة تبلغ حوالي 100 مليون يورو لكامل عملية الانتقال إلى اليورو، كما أن لدينا 130 مليون يورو من الإيرادات المفقودة سنويا"، في إشارة إلى إيرادات البنوك من التحويلات التي كانت تتم من اليورو وإليه.
انتشار العملات المزيفة
طبقا لتقارير البنك المركزي الأوروبي، عام 2021 تم اكتشاف 347 ألفا من أوراق اليورو النقدية المزيفة، كانت أغلبها من فئتي 20 يورو و50 يورو، اللتين شكلتا أكثر من 65% من إجمالي النقود المزيفة.
والبلدان التي تستخدم اليورو حديثا تعد أرضا مناسبة لتداول الأوراق النقدية المزيفة، حيث يصعب على المواطنين تمييز النقود المزيفة من الأصلية، وفي حالة كرواتيا يتمثل الخطر الأكبر في دخول العملات المزيفة إليها عبر السياحة.
وحذر البنك المركزي الكرواتي المواطنين من إجراء أي معاملات مالية خارج المؤسسات المالية المعتمدة، كذلك التأكد من سلامة الأوراق النقدية عند استلامها، لا سيما من الأجانب.
ما إجراءات الدخول الآمن إلى منطقة اليورو؟
المشكلة الرئيسية التي تخشى حدوثها الدول المنضمة حديثا لمنطقة اليورو هي قيام التجار بزيادة الأسعار في الفترة الأولى، مستغلين عدم اعتياد المستهلكين على استخدام اليورو، لهذا قامت الحكومة الكرواتية ببعض الإجراءات لضمان دخول آمن إلى منطقة اليورو، من أهمها:
تثبيت سعر الصرف
قام البنك المركزي الكرواتي بتحديد سعر صرف ثابت ومعلن لليورو مقابل الكونا ب 7,5340 كونا مقابل اليورو الواحد.
المرحلة الانتقالية
لكي يتكيف البائع والمشتري على التسعير باليورو، فقد تم ابتداء من الخامس من سبتمبر/أيلول 2022، تسعير كل البضائع باليورو إلى جانب الكونا، كما تم السماح للمواطنين الكروات بسداد قيمة السلع والخدمات باستخدام اليورو أو الكونا الكرواتية، بدءا من ذلك التاريخ وحتى 14 يناير/كانون الثاني 2023.
مدونة الأخلاقيات
هي إحدى الآليات التي أنشئت بمبادرة من وزارة الاقتصاد والتنمية المستدامة وغرفة التجارة الكرواتية، بهدف المساهمة في خلق بيئة آمنة للمستهلكين، وهي عبارة عن وثيقة ذات طابع إعلاني، توقع عليها الشركات بأنواعها المختلفة وتتعهد بأنها ستعمل بشفافية في عملية إدخال اليورو إلى كرواتيا، من حيث الحفاظ على الأسعار.
يكتسب كل عضو موقع على "مدونة الأخلاق" الحق في وضع علامة التعريف المرئية للمدونة على نقاط البيع ونقاط تقديم الخدمة، كما يمكنه إبراز العلامة عند قيامه بالأنشطة التسويقية، من خلال وضعها على جميع المطبوعات والكتالوغات وعلى مواقع الويب والشبكات الاجتماعية وتطبيقات الهاتف المحمول وفي الوسائط الأخرى.