تقدم توجهات السياسة الخارجية للدول الصغيرة، مدخلا مهما لتفسير ديناميات السياسة الخارجية، إذ يفترض نموذج السياسة الخارجية للدول الصغيرة وهي وحدات دولية مستقلة ذات سيادة و التي تتميّز بقدرات تأثيرية كبيرة على الساحة الدولية، بأنها تميل إلى سياسات مساندة لسماتها السياسية والذاتية.
وهو ما يتلاقى مع السياسة الخارجية الأردنية والتي تتجه الى تشكيل تحالفات مع القوى الإقليمية الأكثر تأثيرًا، وتعزز من تفاعلها مع المؤسسات الإقليمية والدولية، ويشكل التوجه الاقتصادي جزء كبير من سياساتها الخارجية، وكذلك تجنب الدخول فى صراعات حادة مع القوى الإقليمية والدولية على اعتبار أن العلاقات مع هذه القوى تخدم مصالح هذه الدول الصغرى. تحاول الدول الصغيرة تبنى سياسات خارجية غير مكلفة بالنسبة لها وتجنب إثارة الأزمات مع دول الجوار. وفى هذا الصدد، ربما تعتمد الدول الصغيرة، بصورة كبيرة، على بعض الأدوات مثل الدبلوماسية، والمؤتمرات الدولية، والمنظمات الإقليمية، وكذلك الدافع الاقتصادي في تنفيذ السياسة الخارجية بحيث تكون قرارات السياسة الخارجية أكثر ارتباطا بتعظيم المكاسب والفوائد الاقتصادية.
يواجه الأردن بحكم العامل الجغرافى تحديات عديدة تتعلق بقلة الموارد الطبيعية، وما يحول دون نمو القطاع الزراعى بالشكل المرجوّ له، من حيث ندرة المياه في خضم سياسات دول الجوار التى أثرت على حصص الأردن من المياه، والزراعة التقليدية، إضافة إلى التوسع العمراني والتغير المناخي وتأثيره على الإنتاج والأمن الغذائي.. بالإضافة إلى انخفاض عدد القوى العاملة فى الإنتاج الزراعى.
وينعكس المحدد الاقتصادي على تحركات الأردن الخارجية وأنماط تفاعلها مع الأزمات الإقليمية المختلفة، ومنها أحداث الربيع العربي وامتداد تداعياته على الداخل الأردني فضلا عن الضغط الشديد على الموارد والاقتصاد الأردني نتيجة لتدفق أعداد اللاجئين إلى الأردن. ومن ناحية أخرى تعدّ العلاقات مع القوى الدولية عاملا مهما فى السياسة الخارجية الأردنية لاعتبارات عديدة فى مقدمتها الحسابات الأمنية والاقتصادية لصانع القرار الأردنى إذ أن تعزيز العلاقات مع القوى الدولية يضمن، بشكل أو بآخر، للنظام الأردنى تأمين مصالحه فى سياق إقليمى محتدم بالأزمات، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية المتحققة من وراء العلاقات مع هذه القوى.
ومن جهة أخرى تتسم السياسة الإقليمية للأردن بأنها سياسة مدروسة و تحرص إلى تبنى سياسة الانفتاح الإقليمى على أطراف مختلفة، وهى السياسة التى اتصلت أيضًا بالطابع الحذر والقائم على تجنب اتخاذ مواقف حادة من الأزمات والقضايا الإقليمية. ناهيك عن محاولة الانفتاح على أطراف عديدة فى المنطقة والبحث عن تكتلات وتحالفات إقليمية في السعي لتحقيق المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية للأردن.