الاحتلال الإسرائيلي يعجل من صنع عوامل فنائه بيده الملطخة بدماء الإبرياء الفلسطينيين؛ وذلك من خلال سيطرة اليمين المتطرف من المتدينين على الحكومة الإسرائيلية، ما أدّى إلى احتجاجات إسرائيلية ضمت كل التيارات اليسارية ضد نتنياهو وحكومته المتطرفة التي تحاول السيطرة على القضاء الإسرائيلي (الجائر بحق الفلسطينيين) الذي لم يعد مستقلاً كما ينبغي، فأخذت تتخبط في قراراتها حتى لا تحشر في الزاوية .
ناهيك عن ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بكل أطيافها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والتي تبدّت أكثر في سياسة حكومة نتنياهو الراهنة القمعية وممارسة التطهير العرقي الممنهج ضد الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وبناء المستعمرات في الضفة الغربية والانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات في القدس المحتلة وخاصة المسجد الأقصى؛ الأمر الذي أجج مواقد المقاومة الفلسطينية الشعبية بمبادرات فردية، على نحو جماعة عرين الأسود في نابلس وجنين وذلك في سياق المقاومة الفلسطينية الجماهيرية الموحدة مع المقاومة الفصائلية المسلحة، التي بلغت ذروة قوتها في غزة حيث تمتلك الصواريخ الرادعة للاحتلال والتي يُصَنَّعُ معظمُها محلياً إلى جانب ما تحصل عليه من محور المقاومة، واستحواذها على قواعد الاشتباك ما أدّى إلى شعور الإسرائيليين برهاب المقاومة.
وتجدر اإشارة إلى أن المقاومة الفردية وضعت سلطات الاحتلال في مأزق أمني كبير.. كونها تثنَفَّذُ خارج سياق العمل المنظم الذي تنتهجه الفصائل الفلسطينية.
إذْ تنمو مثل هذه العمليات الفاعلة كفكرة في رأس المقاوم بفعل ما يتعرض له من انتهاكات لحقوقه المشروعة، ثم تتطور كخطة لا يطلع على تفاصيلها أحد وتكون محفوفة بالسرية، وصولاً إلى مرحلة التنفيذ والاشتباك مع العدو فتؤدي غرضها المعنوي من خلال المباغتة وموت الدليل مع المنفذ؛ الذي يرتقي شهيداً دون أن يترك اثراً لتنظيمات يسهل استهدافها بالرد عسكرياً وإعلامياً، سوى القيام بهدم منزل عائلة الشهيد وربما اعتقال المقربين منه.. وهذا لم يردع الشباب من إعادة الكرة من جديد في ثبات يدب الرعب في قلوب الصهاينة، وكأن على كل باب يقف مقاوم يتربص بمن يحتلون أرضه.
العملية الفلسطينية الأخيرة في نابلس خير مثال على نهج المقاومة الفردية. فقد هاجم فلسطيني مسلح مستوطنيْن في حوارة جنوب نابلس فأردياهما قتيلين.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، الأحد الماضي، بأن القتيليْن أصيبا بعدد كبير من طلقات بندقية "أم – 16" وهو نوع من السلاح الذي يحصل عليه الفلسطينون من عملائهم في مخازن السلاح لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي.. وهذا يشكل اختراقاً خطيراً له.
وقالت "القناة 12" إنّ سيارة منفذ العملية صدمت سيارة الإسرائيليين، قبل أن يترجل منها ويطلق النار عليهما ثم يلوذ بالفرار. ولم تشر القناة إلى ثبات المنفذ وثقته بنفسه وإيمانه بقضيته العادلة.
وجاءت العملية رداً على الجريمة النكراء التي اقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي-كدأبه- في نابلس بالتنسيق مع الشاباك واسفرت عن ارتقاء 12 شهيداً و"102 إصابة، بينها 6 إصابات خطيرة على الأقل" و"82 إصابة بالرصاص الحي" تتلقى جميعها العلاج في مستشفيات المدينة وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
ووصف رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة العملية التي وقعت في حوارة بـ "الصعبة". وهذا اعتراف بجدوى المقاومة الفردية وخطورتها.
وقال رئيس المجلس الإقليمي، يوسي دغان، من موقع الحادثة: "أطالب الحكومة بقلب الطاولة على السلطة الفلسطينية، وإعادة الوفد من الأردن الذي يشارك في مؤتمر العقبة، وشنّ عملية عسكرية".
قال ذلك دون أن يعلم داغان بأن ما يدعو إليه إنما يمثل إحدى مطالب المقاومة التي لا تؤمن إلا بالمقاومة المسلحة بعد موت المشروع السياسي "أوسلو".
من جهته قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم إن العملية هي رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال، مشدداً على أن المقاومة في الضفة ستبقى حاضرة ومتصاعدة، ولن تستطيع أي خطة أو قمة أن توقفها. بدورها، باركت حركة الجهاد الإسلامي العملية التي وصفتها بالبطولية، مؤكدة أنها جاءت وفاء لوعد المقاومة بالثأر لدماء قادة سرايا القدس محمد الجنيدي وحسام اسليم ورداً طبيعياً ومشروعاً على جرائم الاحتلال (برمتها منذ احتلال فلسطين عام ثمانية وأربعين).
من جانبها، أشادت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعملية إطلاق النار، مؤكدة أنها تشكل رداً حقيقيا على قمة العقبة التي جاءت لمحاولة إخماد انتفاضة الشعب الفلسطيني.
وبمقتل هذين المستوطنيْن يرتفع عدد الإسرائيليين من الجنود والمستوطنين الذين قتلوا في هجمات فلسطينية منذ مطلع العام إلى 13 قتيلاً، فيما وصل عدد الفلسطينيين الذين ارتقوا شهداء على يد قوات الاحتلال والمستوطنين خلال هذه المدة إلى 64 شهيداً.
وإمعاناً في الغطرسة واستعجالاً لعوامل زوال الكيان الإسرائيلي كما قلنا في المقدمة، فقد طالب كل من وزيرة الإسكان الإسرائيلي ورئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة يوسي ديغان بتبني استراتيجية الهجوم بدلاً من الدفاع ضد الفلسطينيين.
ومقابل ذلك فإن واقع الاحتلال الذي يضطهد الفلسطينيين يسترعي من المقاومة استمرار مهاجمة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، بكافة الأسلحة حتى الصاروخية منها وإلا فما مبرر وجودها!
لنقتدي بالجزائر التي قدمت مليون شهيد لتحرير البلاد التي ضرب أهلها مثلاً في الكرامة والشرف. وتستمر المقاومة حتى النصر المبينز