لعل القصة التي سوف أرويها لكم اليوم حقيقية تثير الدهشة والغرابة، خاصة إذا علم أن الإنسان لا يقدر قيمة النعمة التي بين يديه إلا حينما يفتقدها ، في يوم من الأيام كنت في حديقة شقيقتي التي تجاورني في المسكن ، كانت تعتني بمجموعة من القطط تقدم لهن الطعام يتناوبون على إطعامهن مع زوجها والأبناء ..وقع نظري على قطة صغيرة سوداء، كانت خائفة وهي تأكل تلتفت يمينا و شمالا، و عند سؤالي عن سبب ذلك، قالت شقيقتي:" هي قطة يتيمة ماتت أمها وهي تأكل مع المجموعة الأخرى" ، لا أخفي عليكم أن شعرت في تلك اللحظة بالشفقة عليها ، رغم أنها سوداء ولا تثير الإعجاب بسبب شكلها ، فطلبت من شقيقتي كرتونة لكي امسكها وأذهب بها إلى البيت للعناية بها ، فضحكت من ذلك الطلب حيث قالت :" خذ قطة بيضاء جميلة شو معجبك فيها " .
فلما عزمت على أخذها عنوة بالكرتونة كانت الهرة السوداء شرسة حتى أنها عندما وصلت بها الى البيت، قفزت مسرعة نحو الشجرة وصعدت إلى أعلاها وكأنها خائفة ، قمنا بإحضار الطعام وهي على الشجرة ، فلَعَلّ الطعام كان مثيرا لها ، حيث نزلت عن الشجرة عندما شاهدتنا ابتعدنا عنها .
بقيت على هذا المنوال لأسبوعين تقريبا . بدأت شيئا فشيئا تتقبلنا وتقترب منا ، كنت يوميا أذهب لشقيقي صاحب محل دجاج وأحضر لها قوانص الدجاج ، فقد كنت شغوفا بإطعامها حتى أنني عندما أكون خارج البيت مع الأسرة اتفقدها قبل المغادرة من حيث الطعام والشراب ، شعرت أن أفراد العائلة احبوها وأمسوا يتوددون لها ، أحسست في وقت وجود القطة عندنا قد تغير الحال، فقد زادت البركة رغم أنني في تلك السنة لا اتقاضى من راتبي إلا (١٠٠) دينار أردني فقط، حيث كنت أدفع للبنك (٢٢٠ )دينارا شهريا طوال (٥ )سنوات مقابل شراء بيت قديم جدا و (١٠٠ ) دينار جمعية لمدة سنتان صيانة للبيت القديم الذي قمت بإصلاحه بعد شراءه.
كان زملائي والضيوف يمتعظون من رؤية القطة في حديقة بيتنا عند زيارتنا ، كانوا يقولون:" هذه شيطان على هيئة قطة ضروري تتخلص منها " كان الجميع متخوفين منها بإستثناء أهلي وبناتي اللواتي وصل بهن الأمر بإدخال القطة في الجو البارد إلى البيت لتدفئتها عند المدفأة ، كنت في تلك اللحظة أُداعب القطة وكأنها طفلٌ صغيرٌ ، كانت تتقبل حركاتي وهي صامتة، بينما عندما أداعبها خارج البيت تقوم بختشي بأنيابها وتركض بعيداً ، كانت شرسة فوق العادة ، بينما في البيت حملاً وديعاً وكأنها كانت تخجل مني داخل البيت ربما كانت تستشعر بوجودها على أنها ضيفةٌ ثقيلةٌ في غرفتنا و هذا ما يثير الحيرة والدهشة ، مما ينطبق عليها المثل القائل ( الضيف أسير المعزب) .
للأسف الشديد مرضت القطة وأصبحت تعاني من المرض وتستفرغ، خشيت على بناتي منها ، فقد اتفقت مع شقيقي صاحب محل الدجاج بأن تكون قريبة منه لإطعامها، وبالفعل أخذها في سيارته مستغلاً وجود البنات عند أهل الزوجة (جدودهن ) تذرعت لهن أنها مرضت وماتت ، و لم يتقبلن كلامي وأصبحنّ يشككن في قولي حتى أنهن أمسين يبكين حتى أرجعها ربما عرفن أنني ذهبت بها إلى شقيقي، فقد كنت المح أنها مريضة ويجب التخلص منها .
لا اخفي عليكم أنني وضعتها عند أخي لفترة وقلت له سوف آتي يومياً لتفقدها ، بعد يوم من ذهابها عند شقيقي، اختفت القطة حتى أننا بحثنا عنها في كل مكان ولكن لا أعلم أين اختفت ، زاد بحثي عنها عندما شعرت أن البركة غدت تزول تختفي معيشتنا ، تغير أحوالنا نحو الأسوأ ، علمت متأخرا أن الله تعالى كان يرزقنا بفضل عنايتنا بتلك القطة السوداء اليتيمة، زاد بحثي عنها لاسترجاعها حتى أنني أعطيت أجرة لأبناء الحارة في تلك المنطقة للبحث عنها ووعدت لمن يجدها مكافأة، حتى أنني طلبت من عمتي زوجة والدي- رحمه الله - بمراقبة الشارع الذي وضعت فيه لكي نجدها، فقد كانت تجلس يوميا على قارعة البيت محاولة منها للتعرف عليها ، بعدما شاهدت اهتمامي بها ، فقد اخفيت أن الأحوال عندنا تغيرت بعد ذهاب القطة من البيت .
باءت كل المحاولات بالفشل في الوصول للقطة لغاية هذه اللحظة ، فلما اشتكيت لشقيقتي الكبرى (أم محمد) وحدثتها عما أصابنا من رخاء وبركة في وجود القطة السوداء و ذهاب تلك البركة بعد غياب القطة وأخذت تلومني كثيرا، وقالت :" لقد اخطأت بالتخلص من القطة كان الواجب عليك معالجتها ومتابعتها حتى تشفى من المرض، لعل الله رزقك بفضل تلك القطة" ، فقلت لها :" كنت أجهل أن هنالك طبيا يعالج القطط في الطفيلة لم تكن لدي الخبرة الكافية ولم أشعر بقيمة القطة إلا بعدما ذهبت" .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.
بعد فترة ساورني شعور غريب، وتوصلت إلى خلاصة وهي هذا حالنا مع حيوان، فكيف حالنا مع إنسان فقير أو عائلة فقيرة ؟!!!! و كنت أقول في نفسي هذه قطة عبارة عن حيوان ربنا يسر أمورنا لأننا اعتنينا بها، فما بال الذي يعتني بفقراء المسلمين و يقدم لهم الأعطيات والطعام ، ما بال الذي يعتني بوالديه وهم كبارٌ في السن ، وقت إذن علمت أن الإنسان لا يشعر بقيمة النعمة إلا بعد زوالها ؛ لذا وجب علينا تقدير نعمة الله وفضله وشكره تعالى في السر والعلن وأن يكون لنا خبيئة مع الله بإطعام الفقراء والتصدق عليهم لعل الله يرحمنا يوم القيامة ذلك اليوم المخيف....!