لماذا تناصر الجماهير في العالم الإسلامي الموقف الروسي في تصديه للحملة الغربية الشعواء المتربصة به! والوقوف إلى جانبه ولو معنوياً في التصدي للناتو من خلال الحرب الأوكرانية.
وهل من أسباب ذلك الدفاع الروسي عن "تقاطع القيم الدينية مع بعضها" والوقوف ضد الليبرالية المنفتحة على المجهول وكسر الثوابت العلمية والدينية دون قيود في سياق التمهيد للمليار الذهبي من خلال تنفيذ خطوات مشروع هارب الأمريكي!.
تتأثر رؤية بوتين بمستشاره ألكسندر دوغين ذلك الباحث السياسي الذي اشتهر بـ "عقل بوتن"، والمستشار السياسي والعسكري الذي يحترم الأديان وكتبها السماوية وبخاصة الدين الإسلامي المضطهد على صعيد غربي حيث تتفشى قيم العنصرية، وتتبوأ المثلية مكانتها ضد تماسك الأسرة في الانقلاب على الثوابت والقيم فتنداح دوائرها الشاذة متجاوزة حدود الآخرين تحت حماية القانون.
فبوتين- وللإنصاف- لم يحلل حرق القرآن الكريم كما تفعل السويد، حيث استيقظ المسلمون صباح الأربعاء الماضي، أول أيام عيد الأضحى، على مقطع فيديو يظهر فيه شاب سويدي من أصول عراقية وهو يمزق نسخة من المصحف، ويضرم النار فيها عند مسجد ستوكهولم المركزي، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحا بتنظيم الاحتجاج إثر قرار رسمي.
لا بل أن بوتين يتعامل مع المثلية من منطلق كونها مرضاً يحتاج لعلاج وليس كجنس ثالث مفروض على المجتمع ليتم نشر القيم المثلية وفرضها على المجتمعات من خلال منظمات المجتمع المدني المشبوهة وضغوطات البنك الدولي على دول العالم، كما يفعل الغرب برمته وعلى رأسه أمريكا..
حيث أعلن جو بايدن مؤخراً في أكبر احتفال شهده البيت الأبيض:
بأن أمريكا "أمّة المِثليين”.
وتعزيزاً لنشر قيم المثلية عالمياً فقد رُفِعَ علمُ الشواذ في تركيا ولبنان بدعم أمريكي فيما تم إرسال 12 مليون دولار لتعليم "الشذوذ” في العراق؟.
واللافت على صعيد المقارنة مع الغرب فإن بوتين يواجه الأزمات الداخلية الراهنة في الاتحاد الروسي بعقلانية، فعلى سبيل المثال كان بوسعه التعامل مع بريغوجين رئيس فاغنر الذي أعلن انقلابه العسكري على بوتين قبل أيام، بالحديد والنار؛ حتى لو أدى ذلك إلى إراقة الدماء الروسية، التي احتقنت من خلال صفقة أمنية بمبادرة من رئيس بلاروسيا بإقاف الانقلاب من قبل فاغنر مقابل التنازل عن الدعوى القضائية المرفوعة ضد بريغوجين والاكتفاء بنفيه إلى بيلاروسيا وذلك بموافقة رئيسها اليكساندر لوكاشينكو.
فبوتين آثر الحل السلمي والتأني في حل الأزمة الطارئة لحساب وحدة الصف الداخلي ومتانة الجبهة في الحرب الأوكرانية عسكرياً.
حصل ذلك خلافاً لما يحدث الآن في فرنسا التي تحولت إلى مسرح للمواجهات الدامية في ظل السماح لرجال الشرطة بقتل كل من لا يمتثل للتنبيهات الصوتية لمرتين ما أدى إلى مقتل الفرنسي من أصول جزائرية، الشاب نائل؛ لذلك فالسلام الآن- بفضل سياسة بوتين المتوازنة- يعمّ الجبهة الروسية الداخلية، بينما فرنسا تحترق بالأزمات الناجمة عن تخبط القرار الفرنسي الذي يجانب العدالة ويمارس الاضطهاد ضد الأقليات العرقية والدينية على نحو ما يجري مع المسلمين رغم انهم يشكلون ما نسبته 6% من سكان فرنسا.
يحدث ذلك بالتزامن مع إطلالة اليمن الأوروبي برأـسه على المشهد حاملاً في جعبته قيمه العنصرية تحت مبدأ "فرنسا أولاً" وعدم التبعية لأمريكا وتفهم الموقف الروسي من هذا المنطلق، ووقف تدفق المهاجرين من الخارج.
أما على صعيد القضية الفلسطينية فبوتين أعلن في أكثر من مناسبة عن مناصرته لحقوق الشعب الفلسطيني.. وهو موقف قد يتقدم عمّا ذهب إليه الرئيس التركي أردوغان الذي يراعي علاقة بلاده المتجددة مع الكيان الإسرائيلي في حدود المصالح العليا، مع إبقاء الدعم للمقاومة الفلسطينية في غزة مفتوحاً رغم إخضاعة للراقبة الأمنية وفق الشروط الإسرائيلية.. فهل نطلب من روسيا ما هو اكثر من موقف تركيا الذي بدوره يتقدمُ مواقفَ دول التطبيع العربي؟
هذا خلافاً لما يقدمه الغرب من دعم مفتوح لتل أبيب التي هي في نظره بريئة كالحمل الوديع؛ لا بل أن ذنبها مغفور لديه إزاء ما تقترف من جرائم بحق الفلسطينيين.. فيما تتم محاسبة كلّ من يحرض على كيان الفصل العنصري الإسرائيلي في الدول الغربية، بموجب قانون "معاداة السامية" مقابل التعامل مع المقاومة الفلسطينية وفق قانون "مقاومة الإرهاب".. وهذا يمثل سياسة الكيل بمكيالين في اسوأ حالاته المشهودة.
ويشهد القاصي والداني بأن روسيا في عهد بوتين صمدت في وجه المشروع الغربي الساعي لتدميرها في عدة محاولات أهمها أحداث عام 2014.. إلى جانب الحرب المشتعلة في أوكرانيا التي اشتعل فتيلها في فبراير 2022 كمدخل استراتيجي غربي بغية تفكيكها وتدمير اقتصادها وضرب الروبيل في الصميم وإثارة الفوضى فيها؛ لكن السحر انقلب على الساحر فاستفحل التضخم في أوروبا الغربية وأمريكا وخير مثال على ذلك ما يحدث في فرنسا من فوضى وتفشٍ للعنصرية وهدر لحقوق الانسان وحرياته الدينية وخاصة الإسلام، وصعود اليمين الأوروبي المؤيد لروسيا من باب السعي نحو الانفصال الاستراتيجي عن أمريكا، ثم تأتي الدعوة الاسكتلندية للاستفتاء حول الانفصال عن المملكة المتحدة، ناهيك عن تعرض الدولار لضربات متلاحقة على العكس مما جرى للروبل الذي ازداد استقراراً، وذلك بقيادةِ روسيا مبادرةِ التعاملِ البينيِّ بالعملة المحلية أو الروبل، من خلال مجموعة بريكس التي ستضم قريباً أهم حلفاء أمريكا في الخليج العربي (السعودية).
وخلاصة الأمر أن هناك من يحرض بيننا على روسيا مجاناً دون أن يتبنى ولو موقفاً محايداً؛ بذريعة أن بوتين يعتبر دكتاتوراً بلا منازع، متناسياً جرائم أمريكا في العراق ودعمها السخي للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وغض البصر الغربي عمّا يحدث هناك بحيث تُجَرُّمُ الضحيةُ من خلال نعت مقاومتها بالإرهاب.. وسعيها الجاد الدؤوب نحو تجاوز الحقوق الفلسطينية من خلال إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية وانتهاك حقوق المسلمين في الدول الغربية في ظل قانون"الاسلامفوبيا" الجائر.
ففي عالم يتغير لا يصح إلا الصحيح.. والأحكام تتجلى أكثر في خواتمها.. والمنطق يقضي بوقوف الضجية إلى جانب من يناصر قضاياها ولو نسبياً.. فهل يُدْرَجُ بوتين وفق المقارنات أعلاه ضمن هذا المفهوم! الجواب متروك لكم فللعيون عقول تستضيء بضمائرنا فتنجلي الحقائق أمامها ناصعة.