صدر عن (الآن ناشرون وموزعون) كتاب "من حيث كنْتُ.. مشاهدات مراسل من الميدان" 2023م للصَّحفيِّ والكاتب اليمنيِّ؛ أحمد الشلفي، جاء في 184 صفحة من القطع المتوسط، يختلط فيه جنسه الأدبيُّ بين فنِّ كتابة المُذكِّرات –وهو إليها أقرب- بعفويَّتها وانسيابيَّتها واسترسالها، وفنِّ الرِّواية في بعض أجزائه بتقنياتها الفنيَّة وبنائها الدِّراميِّ، فنجده يحكي فيه مشاهداته بدمه ودموعه كإنسان، ويسرد مذكِّراته بحرفيَّة ومهنيَّة بصفته مراسلا ميدانيًا لصالح قناة الجزيرة.
توزَّع الكتاب إلى ثلاثة فصول بحسب رؤية كاتبه؛ إذ جاء الفصل الأول مشتملًا على التَّشكُّلات الأولى، وأتاح المجال فيه لمعرفة الخلفيَّة الثَّقافيَّة التي تُشكِّل أيَّ كاتب، ولم ينسَ –في الوقت نفسه- تذكيرنا بالشاعر الذي كنتُه –على حدِّ تعبيره- وكيف عبَرَ منه إلى دائرة الصَّحافة، وهو فصل أراد –كما يقول- من خلاله أن يستكمل ما بدأه في كتابه الأول (الرَّحيل عن الجنَّة).
ثم يذهب الشلفي إلى تخصيص فصله الثَّاني –من هذا الكتاب- لبعض جولاته الميدانيَّة مراسلًا تلفزيونيًّا في شرق إفريقيا (الصومال؛ لتغطية الحرب هناك، وإريتريا وجيبوتي وشرق السودان)، ويعرِّج على إثيوبيا التي ذهب إليها سائحًا.
أما الفصل الثالث والأهمُّ –على المستوى الإنسانيِّ والمِهْنِيِّ والتِّراجيديِّ التَّشويقيِّ- من كتابه الذي يسافر بنا على بساطه ومن خلاله إلى مصر الكنانة صحفيًّا، ويعود إلينا منها عاشقًا، حاله كحال كلِّ من تنسَّم هواء نيلها العليل، فأصابه الوجد والحنين ما شاء الله له أن يحيا! فهو جزءٌ مما كتبه عقب عودته من القاهرة، وبعد تغطيته أحداث "ميدان رابعة العدوية" الدَّامية، والتَّأريخ لها، رابعة؛ الميدان والرَّمز والحريَّة والسِّيرة والتَّاريخ والحُبُّ والأمل والألم...، ويترك فيه للقارئ الحُكم عليها بما نقله منها وعنها بتجرُّد وأمانة، فهي بنت تلك السنوات بحلوها القليل ومُرِّها الكثير، ويُلحظُ بأنَّه كتبها متأثرًا بالمجزرة والجريمة؛ ويروي لنا -متحسِّرًا مفجوعًا- كيف أنَّه بعد عودته من هناك لم يستطع الإمساك بالقلم والكتابة بسبب الصدمة التي تلقَّاها، وكيف أنَّه كان مضطرًّا أن يجبر نفسه على فعل ذلك؛ كي لا ينسى بوصفه شاهدًا عيانًا على ما حدث، وبوصفها قصة مأساوية، وما كتبه عن الحادثة لا يساوي شيئًا مما يجب أن يكتبه لو كان يستطيع أكثر.. هكذا يقول!
من اليمن السَّعيد ذات زمنٍ-وليته يعود-، وتلفزيونه الرَّسميِّ، ومدارسه الإعلاميَّة الكبيرة، وبرامجه الإعلاميَّة المنوَّعة الهادفة، ومحيط اليمن المضطرب الذي انتقلت إليه عدواه بالمرض نفسه، والسُّمِّ نفسه، إلى "الجزيرة"؛ الشِّبكة العملاقة" مراسلًا رحَّالة لامعًا، ومحاورًا ذكيًّا مثقَّفًا لكبار الشَّخصيَّات من رؤساء وقادة، إلى رحلة العشق والجراح المنكوءة في "رابعة"، وميدان القاهرة العزيزة، وما بين هاته وتلك، جاءت ولادة "من حيث كنْتُ..."؛ الفرد والفكرة والجماعة والوطن من القلب، وشغاف الرُّوح.
وجدير بالذِّكر أنَّ الأستاذ؛ أحمد الشلفي صحفيٌّ وكاتب يمنيٌّ، صدر له عن (الآن ناشرون وموزعون): "من حيث كنت.. مشاهدات مراسل من الميدان"، (2023)، و"حرب بلا ملامح.. أوراق من الحرب اليمنية 2014-2021"، (2022).
كما صدر له: "الرَّحيل عن الجنَّة"، و"قمر يتبعني"، وثلاث مجموعات شعريَّة هي: "تحوُّلات الفتى والمساء" (2000)، و"جرح آخر يشبهي" (2004)، و"يد غافلته" (2016)، بالإضافة إلى عدة كتب أخرى.