في طفولتي وبرنامج رسائل شوق والذي كانت تقدمه الراحلة كوثر النشاشيبي وزمن الراديو الكبير وكذا الترانزستر أبو جلدة بنية وفي ساعة ظهيرة تدخل علينا فيروز وقبل قراءة رسائل شوق إلى الأهل في الأرض المحتلة تدخل فيروز بصوتها العذب المصحوب بالحنين والتفاؤل بغد أفضل وعن غياب الأحبة وحنين الغربة في حالة وجدانية قد تجعلك تذرف الدموع إلا أنه في الأغاني الفيروزية كان له حضورا غزيراً ورحلة مثيرة، وكثيرا ما يتمثل في معنى الحنين الذي يأتي يومياً أو في مواسم ، فيحضر قليلاً ليعود في موسم آخر ليظل متجددا لا يذبل ولا يفتُر. يا حبيبي الهوى مشاوير... وقصص الهوى... متل العصافير.، ومعاني آخرى ترسخت في ذاكرة الأجيال السابقة والجديدة كالحنين الى الوطن «رجعت العصفورة»( او لفقدان الوطن»عصفورة الشجن»أو للفرح والطفولةو من بين الأشياء التي تترك معالمها في ذاكرة الإنسان الأغاني ذات الإيقاع الموسيقي المنسجم مع إيقاع النفس الداخلي. جايبلي سلام تستدعي الغياب وتستدعي الوطن وتستدعي الحبيبة بكلمات ولا أروع حين يخاطب الحبيب حبيبتة بصوت فيروز.
بكّير طل الحب عَ حيّ لنا
حامل معو عتوبي وحكي
ودمع، وهنا
كنّا وكانوا هالبنات مجمّعين
ويبدو أن هذا الجزء من الأغنية يجلب ذكرى قديمة ممزوجة بالواقع، فهناك حب ولكن ثمة عتاب وحكي ودموع. وسؤال للأم
يامي وما بعرف ليش نقاني أنا / سؤال وضعه الرحابنة بصوت فيروز هل هو تخمين أم مفاجأة وتستمر الأغنية
جايب لي سلام عصفور الجناين
جايب لي سلام من عند الحناين
نفّض جناحتو عَ شباك الدار
ومتل اللي بريشاتو مخبّي سرار سرار
قلي عَ الرمّاني غطيت وحاكاني
وبعيونو الدبلاني شفت الهوى باين
العصفور هو مرسال الحب، والأغنية فكرة جميلة فيها عدة تشعبات رومانسية ووطنية تستغرق استطرادًا للحديث عن شكل هذا العصفور، وكأنه هو الذي يجلب بصفاته وحركاته وتنفيض جناتو الخبر السار ومن عيونو الدبلاني شافت الحب ولهذا، فإن الحوار معه سيكون ممتعًا لأنه يجعل المرء يهرب من واقعه المؤلم ويجذبه نحو واقع متخيل يتحوّل فيه ماكان متخيلًا إلى كيان حقيقي يمكن العيش معه يستمر الحوار
شو قلي شو قلي عتبان المحبوب
ما بدك تطلي ابعتي لو مكتوب
ودي له شي ورقه عليها كتيبه زرقه
وامرقي لك مرقه مطرح منو ساكن
وهذه أمنية مبهجة لمن يكون في مثل حال تلك الفتاة، بأن غياب المحبوب المؤقت هو بسبب عتابه ممّا يعني عودته قريبًا بعد المصالحة، ولهذا فإن العصفور يكون وسيطًا بكتابة رسالة أو إطلاله عليه في مسكنه. وأجمل ما في الأغنية تلك الأشارات بين الحبيب والحبيبة بروائع منصور وعاصي
كل ليلة عشيه قنديلك ضوّيه
قوّي الضو شويه وارجعي وطّيه
بيعرفها علامه وبيصلّي تتنامي
وتقومي بالسلامه يبقى قلبك لاين
والعصفور الذي يُطل عليها في الصباح وربما عند الغروب، يرشدها إلى طريقة تخرج بها من يأسها، بأن تضع علامة في الليل يهتدي بها المحبوب بإشعال الضوء ثم إطفائه في تلميح لحدوث تغيير يلفت الانتباه؛ فيدرك أن هذه علامة على شوقها له وسهرها من أجله، وحينها يقوم المحبوب بالدعاء لها لكي ترتاح وتطمئن فتنام، ثم تصبح من الغد وهي سليمة وقلبها مملوء بالسعادة. هذه الأغنية ستبقى حاضرة في الذاكرة بكل زمان ومكان فالوطن لا يتغير والوطنية لا تتغير وحب الوطن والحبيبة والمحبوب موجودون بكل عصر وكذا أغاني فيروز وموروث الرحابنة باقي للأبد وسنبقى نغني جايبلي سلام عصفور الجناين