"لن أكون خرتيتاً" مسرحيّة تتعدّد قراءتها بقراءة الحال أو الواقع، جاءت المسرحيّة الصّادرة عن "الآن ناشرون وموزّعون" في الأردن في 96 صفحة في ثلاثة فصول -بمشاهدها- مُكثّفةً بالرّمز والإرادة التي مثّلها عنوانُ المسرحيّة؛ وُظّف فيها الخرتيتُ توظيفاً رمزيّاً، تبدأ المسرحيّة بمشهدِ حوارٍ بين بدر ونغموش يظهر فيه الأخير متأخّراً على صديقه في المجيء، ليبدأ بدر بتوبيخ نغموش على شربه الخمر وعدم انتظام حياته، ثمّ ينتقل المشهد لشخصين آخرَين للحديث عن حادثة سرقة يظهر فيها فسادٌ واقعيّ يمكن أن يوجَّه في قراءة المسرحيّة، يعود المشهد في الفصل نفسه إلى نغموش وبدر لتظهر بعدها (خراتيت) ذي حجمٍ ضخم في الساحة تُشكّل ذرعاً في قلوبهم، مع ظهور هذه المخلوقات الغريبة والمُروّعة تبدأ الخرافات والانشغال بماهيّة هذه الخراتيت. يبدأ الفصل الثاني مُبيّناً تأثير ظهور هذه المخلوقات في سير حياة الناس لتصبح شغلهم الشاغل، يبدأ الناس بالتحوّل إلى خراتيت مثل تلك التي ظهرت للمرّة الأولى، لتتجلّى في الفصل الثالث الأخير قوّة الإرادة عند الإنسان؛ إذ حينما يتحوّل الناس كلّهم إلى خراتيت، يرفض نغموش أن يصير خرتيتاً كما صار الآخرون خراتيت، يبدأ الحوار في الفصل الأخير بين نغموش وياسمين ممثّلاً قراءاتٍ متعدّدة للمسرحيّة؛ يبقى نغموش وحده رافضاً التحوّل إلى خرتيت لتنتهي المسرحيّة بإصراره على الإرادة:
"بالإرادة، بالإرادة فقط راح أحمي العالم، راح أحمي العالم. وبالإرادة راح أبقى إنسان راح أبقى إنسان، ما راح أكون خرتيت، ما راح أكون خرتيت".
ما إن تنتهي المسرحيّة حتّى تتشكّل لدى القارئ قراءات متعدّدة لها بالرغم من قصر حجمها الذي تركَ للرمز المكثّف أن يُضفي معاني دلاليّة للنصّ، ويمكن أن يَستشفّ من متن المسرحيّة نقداً أو تمثيلاً لواقعٍ جمعيّ كما تصوّره المسرحيّة برمزها الخرتيت ومناقضه الإرادة. وكما قدّمها الناقد الأدبيّ والمسرحيّ تحسين يقين، فإنّها "نصُّ الأمل بالفعل وامتلاك إرادته، أوصلنا إياه الكاتب عبر اختبار أدبيّ إنسانيّ وجدنا فيه أنفسنا مشاهدين ومشاركين ومتسائلين.. نحن إزاء نصّ بأحداث صادمة لا نصدّقها في البداية حتى تقترب منّا". وما دامتِ المسرحيّة بفنّها العام تُعنى بالمُعايشة، أي اهتمامها بطرح قضايا الواقع؛ فإنّ اللغة المعياريّة البسيطة أو اللغة الوسطى والدارجة في مسرحيّة "لن أكون خرتيتاً" للقاصّ العُمانيّ سعيد الدرمكي قد وظِّفت تماماً لبلوغ تلك الغاية.
يُذكَر أنّ سعيد الدرمكي حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو مُحكم لعدد من المجلّات العلمية وأستاذ أكاديمي غير متفرّغ في عدد من الجامعات والكلّيّات في سلطنة عُمان. صُدرت له عن "الآن ناشرون وموزّعون" مجموعة قصصية: "شمعة الميلاد" 2023.