كثفت القوات الروسية من ضغطها على جميع الجبهات في الداخل الأوكراني، آخرها قصف العاصمة كييف بأكثر من 10 صواريخ كروز خلال ليل الجمعة - السبت، بجانب مهاجمة ما يقرب من 20 بلدة وقرية في الجبهة الجنوبية وبالأخص حول محيط إقليم زابوروجيا.
الضغط الروسي المكثف تزامن مع صدمة تلقها النظام الأوكراني بعد رفض الكونغرس الأميركي تمرير مشروع قانون كان تعول عليه كييف من أجل الحصول على حزمة مساعدات جديدة قبل معارك الشتاء، ولتقوية تحصيناتها ودفاعتها الجوية.
في السياق، أفاد معهد "كييل" الألماني للبحوث، أن التعهدات بالمساعدات لأوكرانيا بلغت أدنى مستوياتها بين أغسطس وأكتوبر 2023 بانخفاض قدره 90 بالمئة مقارنةً بالفترة نفسها في العام 2022، كما سجلت الالتزامات الجديدة التي تم التعهد بها بين مطلع أغسطس ونهاية أكتوبر الماضي، 2.11 مليار يورو، أي بتراجع نسبته 87 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، ويعد هذا المبلغ "أدنى" مبلغ فصلي من الالتزامات منذ بداية الحرب.
وبحسب المعهد الألماني، ومع انعقاد المجلس الأوروبي الأسبوع المقبل، تأمل أوكرانيا حاليا مع تعثر الدعم الأميركي في أن يتبنى الاتحاد الأوروبي أخيرا حزمة الدعم التي أعلن عنها منذ فترة طويلة بقيمة 50 مليار يورو.
لماذا تعطلت الإمدادات؟
يقول المحلل السياسي الروسي المتخصص في الشؤون الدولية، تيمور دويدار، إن مشروع القانون المرفوض في مجلس الشيوخ خصص 111 مليار دولار لحلفاء أميركا، منها نحو 50 مليار دولار على شكل مساعدات أمنية لأوكرانيا، وغيرها من المساعدات الاقتصادية والإنسانية، وهو مبلغ كان كفيلًا بانتشال الموقف الأوكراني من خانة الضعف إلى القوة، ويضمن تواصل الإمدادات من العتاد والذخائر ومواصلة المعركة أيضًا، بالإضافة إلى تأمين سبل الإعاشة والمؤن والأغذية واللوجيستيات على خطوط المواجهة الأمامية.
واستعرض تيمور دويدار، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، مؤشرات تدل على أن قوافل الدعم الغربي لأوكرانيا تأثرت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة مع تفاقم أزمات الطاقة والإنتاج وارتفاع مستويات التضخم في العديد من اقتصادات الغرب.
بالإضافة إلى تراكم الضغوط الداخلية والشعبية الغربية الرافضة في ظل أزمات اقتصادية لاستمرار دعم أوكرانيا دون تحقيق فائدة من الحرب مع استمرار الخسائر الميدانية الأوكرانية، وإمساك روسيا بزمام القتال دون أن يحرز الدعم السخي تقدمًا، ففي الفترة الممتدة بين أغسطس وأكتوبر 2023، التزمت 20 دولة فقط من أصل 42 دولة مانحة يتابعها المعهد بحزم مساعدات جديدة، وأصبحت الالتزامات الجديدة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة "محدودة" للغاية.
ونوه دويدار إلى عددًا من المؤشرات والنقاط التي تحفز على رغبات غربية دالة على كون الدعم سيصبح على المحك لاحقًا:
لا يوجد اقتصاد غربي حاليًا بإمكانه تعويض دور واشنطن.
لجوء زيلينسكي إلى بناء التحصينات وتوطين صناعات المسيرات والأسلحة أعطى للغربيين حجة اعتباره قادرًا على التصدي للروس.
مطالبة رئيس الحكومة الهنغارية فيكتور أوربان خلال لقائه ماكرون بالإليزيه بتأجيل قرارين أساسيين بالنسبة إلى كييف سيخضعان للتصويت من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويتعلق أحد القرارين بدعم مالي (50 مليار يورو) بينما يتعلق القرار الآخر ببدء المفاوضات في شأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
فشل الهجوم الأوكراني المضاد في تحرير الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية في الشرق والجنوب، أثار تساؤلات بشأن استمرار المساعدات الغربية الضخمة التي تقلصت وقد تصبح عدمية لاحقا مع تواري الدور الأميركي.
تدهور العلاقات بين زيلينسكي والقائد الأعلى للقوات المسلحة فاليري زالوجني، وتنامي مؤشرات ووقائع الفساد، وسرقة أوجه الدعم العسكري والمادي الغربي، وعدم ترشيد إنفاق الإمدادات أصاب قادة الغرب بالصدمة والغضب.
الامتناع عن مواصلة الدعم
يقول الباحث في الشأن الدولي، أحمد العناني، إن الولايات المتحدة الأميركية، تعد هي الدولة الوحيدة القادرة على تقديم الدعم الكامل لأوكرانيا عسكريًا وماديًا بشكل مستمر ودون انقطاع، وهذا يتضح من كون واشنطن هي أكبر الداعمين لـ كييف منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، وبالتالي طوال العامين الماضيين تعول أوكرانيا على استمرار الدعم الغربي عن طريق البوابة الأميركية في المقام الأول.
وأضاف أحمد العناني، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه مع قيام الجمهوريين بقيادة جبهة منع الدعم داخل مجلس الشيوخ وكان له مبرراته، لأن كييف لم تستطع استثمار الدعم الأميركي بصورة مثالية في استعادة الأراضي التي ضمتها روسيا لسيطرتها (20 بالمئة) من مساحة أوكرانيا، ولم تحقق انتصارًا ملفتًا طوال الفترة الماضية، لا سيما مع قيام أوكرانيا بالهجوم المضاد منذ يونيو الماضي.
واستعرض العناني، توابع امتناع واشنطن عن ضخ الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا خلال المرحلة المقبلة:
يُعد ضوء أخضر لانتصار روسيا على أوكرانيا دون مقاومة كبيرة مع نفاد الذخائر والأسلحة الغربية المتطورة.
منع الدعم الغربي عن كييف يمنع احتمالات المواجهة العسكرية التي يخشاها العالم بين أميركا وروسيا.
اقتراب روسيا بشكل كبير من حدود دول حلف الناتو ما يخلق المزيد من الصراعات في المنطقة الشمالية من العالم.
وتؤكد تقارير، أن التصريحات الصادرة عن حلف (الناتو) مؤخرًا، بأن هناك أخبار غير سارة قادمة من أوكرانيا كان المقصود بها نقص الدعم بشكل مخيف على الخطوط الأمامية للقتال، فضلًا عن تراجع قدرة القوات الأوكرانية على المواجهة واحتمال فقدان أراضي أوكرانية جديدة تدخل تحت السيادة الروسية.