كثيرا ما نشعر بتداخل في الأمور ، وتناقض في الشعور ، وتضارب بين لحظات الحزن ، وعلامات السرور ، فنحتار بين الغياب أم الحضور ، بين أن نصمت أو نثور ، وهل صمتنا حيرة أم غرور ، ضعف أم نفور ، وهل حديثنا - إن تحدثنا - صريح أم مستور ، وهل هو جائز أم محظور .. .
وهل ما سنكتبه واضح للعيان ، أم أن مقصدنا خلف السطور ، وما ظهر مجرد رصف منثور ، والحقيقة أنه بداخلنا ليس له حضور ، فهو مجرد إشارة لما نكتمه ، فهو مازال في الأذهان تارة يلف وأخرى يدور ... .
فما الذي يمنعنا من إظهاره صراحة ، وهو بالعقل محاصر ، وبالقلب محفور ، ولماذا يظل قابعا يتفاخر ، وهو بالنيات محكوم ومستور ، وليس منه بالظاهر سوى نقاط أو قشور ، فلا يُفْهَم إلا بالتخاطر أو من مجرب مقهور ، أو إن كان للنقد حاضر فيلزمه ناقد مشهور ، أو من كان له خاطر بالحديث فيتملكه شعور ، بأنه المعني بما فيه يدور ، فإما أن يسعد وله يرغب فيبقى به مسرور ، إن كان المحرك بانيا لقصور ، أو وافيا لنذور ، أو مصدرا للنور ، أو مغلقا لجحور ، أو شارحا لصدور ، أو سارحا بحبور ... ، أو أن يشقى به ومنه يغضب ويثور ، فيلعب في كيانه ليخور ، ويؤثر على فكره ، ويتركه حول نفسه يدور ...
اجعلوا كلماتكم بلسما لا علقم ..
وحروفكم مشرقة ، فلا تُظلِم ... .
وأحاديثكم منصفة ، فلا تَظْلِم ...
ومعانيكم سخية بالعطاء ، فلا تحرم ...
ومشاعركم ظاهرة ، دون تكتم ...
وساحرة دون تهكم ...
ومانحة للحب ، ومريحة للقلب ، مفهومة دون شرح ، ومرهونة بالطرح ... .
فأحسنوا اختيار كلماتكم بعناية ، ووضحوا مقاصدكم ، فهي من الحديث الغاية ، ولا ترهقوا من حولكم ، بالتوقعات وكثرة الظنون ، فليس لهم ذنب ولا جناية ، ولا تفرغوا بهم سالب شحناتكم ، وتعودوا بهم لنقطة البداية البداية ، ولا تغرقوهم في بحر من الأفكار ، لفك طلاسم ليس لها نهاية ، فتقذفوهم بكلمات وكأنها ساحة رماية ، وتبعدوهم قصدا ، وتجعلوا للمزاح شظايا ... .