كان اليوم جيدًا بمجرّد تحقيق الاتّصال والتواصل مجددّا. فشعورُ فكّ العزلة رائعٌ، كأنّني عدت للحياة مجددًا. اليوم ومنذ الصباح استطعت تحصيل إشارة جيدة للإنترنت، وأجريت اتصالاتٍ عديدة أوّلها طمأنة ابنتي والاطمئنان عليها. نعم، يجب أن أطمئنّ عليها وأُطمئنها عنّي كي ترتاح نفسيًا عندما تعرف أنني سالمة، وأيضًا أطمئنّ على كلّ من يسأل عنا ويشعر بما نعاني منه، فهنّ وهم أيضًا يتألّمون.
قد يعتقد البعض لأننا نعيش في ظلّ حصار وتحت وطاة عدوان قاسٍ، أنه على الآخرين فقط أن يهتمّوا ويسألوا عنا ويبكون لحزننا، ولكنّ الحقيقة هي أننا نحن وكلّ أصدقائنا وصديقاتنا سواء من يعيشون معنا تحت نار هذا العدوان أو من هم خارج قطاع غزة، كُلّنا وجميعنا نتألّم ونتوجّع ونبكي على ما آلت إليه الأمور.
كتبت صديقتي لي: "نحن لن نكون بخير إذا لم تكونوا بخير"، وأنا بدوري ـعرف ذلك جيدًا وأُحسُّه في رسائل الصديقات والأصدقاء والأقارب، وفي أصواتهنّ وأصواتهم إذا سنحت فرصة للاتصال. تلقيت أيضًا اتصالًا من صديقٍ عزيز، تحدثنا خلاله مُطوّلًا عن أخباري وعن الواقع المعاش، وفي السياسة، وفي التوقعات المستقبلية، وللأسف لم يكتمل الاتصال كي أسأله عن المزيد من تفاصيل تحدث في حياته أيضًا، ولكنني سأفعل ذلك إذا نجحت بالاتصال معه مجددًا.
كان رائعًا كذلك أن أتواصل أخيرًا مع زميلاتي في مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، وسعدت كيف استطعن رغم ما حلَّ بهنّ وبأُسرهنّ وإجبارهنّ على النزوح بعد تدمير بيوتهنّ أن يتمكّن من استعادة نشاطهن، ويحصلن على مقرًّ متواضعٍ في مدينة رفح ليتابعن العمل ضمن خطط ومشاريع المركز لدعم النساء وعائلاتهن.
كم ساعدتني هذه الاتصالات على استعادة عافيتي النفسية، وقلّلت من شعوري بالعزلة، حيث أنني اعتدت دائمًا أن أعمل بلا توقف، وكان تواصلي مع الجميع وسماع هذه الأخبار ومشاركتي للزميلات، وايضًا شعورهنّ بأنني أخيرًا أتمكّن من أن أتابع معهنّ انشطتهنّ يجعلنا جميعًا، أنا وهنّ، بحالةٍ جيدة، ويُنعش الأمل في أن يكون هناك نجاة قريبة من هذا الوضع، وأخبارٌ جيّدةٌ ربما.
مرَّ هذا اليوم أيضًا على غزة في حالة من الهدوء النسبي في بعض المناطق، بعيدًا عن ضجيج القذائف والعمليات العسكرية، ولكن يبقى حُزننا عميقًا على ما يجري في محافظة خانيونس، حيث يُعيدنا لكلّ تفصيلةٍ مررنا بها خلال في هذا العدوان الهمجي، والذي يُستأنف اليوم بحقّ مستشفى ناصر والآلاف من الناس بداخله بما فيهم المرضى والنازحات والنازحون. وكذلك، ما يزال جيش الاحتلال يسعى إلى اقتحام مراكز الإيواء في خانيونس لتهجير من فيها بالقوة إلى رفح.
هكذا تمرّ الأيام، فيها ما هو مريحٌ ومُنعش، وفيها الكثير أيضًا ممّا يُدمي القلب ويُحزننا، لكننا نستمرّ بالأمل أن تنتهي هذه الغُمّة وتصبح في طي النسيان.