لا أحد يعرف شوارع قريتي "الكرامة" كما أعرفها.. أكلت من قدميّ ما أكلت؛ أهرقتُ فيها عرقًا ودمًا في عزّ الصيف الحار وفي وحل الشتاء الدافئ.. كنتُ أجوبها وأحلامي الصغيرة التي تتفرّع وتكبر؛ معي.. كنتُ أطمئن للشوارع الفرحة بي والتي كانت تستفزّني كي أتمرّد وأصرخُ فيها وعلى سطحها: بيني وبينك الوعد والآمال..!
كان ذاك قبل أربعين عامًا حينما كان هذا الفتى يملك من أدوات المشي على الشوارع ما لا تملكه سيارات المرسيدس يومها.. وسارت الأيّام ومشت على ظهر الفتى.. وشوارع الكرامة تمتلئ بالحفر الكبيرة والفتى يمتلئ بالفجوات والندوب والجراح..!
لا أصدّق وأنا أسير على شوارع الكرامة الآن أن شوارع بهذا السوء.. لا أصدّق أن هذه الشوارع مرّ عليها مئات المرشحين للنيابة والبلدية وللمحافظة وكلّهم يمطرها الوعود بأن يصلح شوارعها ويعيد إليها المشيَ بلا خضٍّ أو اهتزاز..!
قريتي الكرامة يا سادة يا كرام.. هي العاصمة الاقتصادية للواء الشونة الجنوبية.. هي صاحبة أكبر دخل في كل القرى والذي يصبّ في جيب البلدية والمؤسسات الأخرى.. هي الأكثر بيعًا وشراءً والأكثر تجارةً ومحلات صنايعيّة..! لكنها.. الأكثر إهمالًا من المسؤولين.. والأكثر تدميرًا لشوارعها الفرعية والرئيسية.. والأكثر حزنًا لأنها تعطي ولا تأخذ.. وهي كرامة من مرّ بها ولها وعليها..!
ليت كل الذين وعدوها صدقوا؛ لكانت الآن تاج القرى الأردنية.. ليت نصف من وعدوها صدقوا؛ لكانت الآن نموذجًا يحتذى.. ليت رُبع من وعدوها صدقوا؛ لكانت الآن هادئة وادعة.. ليت ثلاثة ممن وعدوها صدقوا؛ لكانت الآن بخير وسلامٍ على الأقل..!
لا أصدق كل هذا الحزن في شوارع الكرامة.. لا أصدّق أن ما يجنونه منها يصرفونه على غيرها وهي تُترك للفتات بل لفُتات الفتات..!
يا أبناء الكرامة وشوارعها.. إذا ضاعت الأحلام في مطبّات الشوارع والحفر؛ وإذا وصلتم بيوتكم وأنتم تسبّون وتلعنون الشوارع وحالها.. فاعلموا أن أن الشوارع حزينة وتحتاج للفارس تلو الفارس كي يعيد إليها المشي بلا اهتزاز واضطراب..!